كان يا مكان قلبٌ منهار ١٥

الجزء الثاني الشمال البهي


 [ الفصل الخامس عشر ]




في الليلة الماضية، عندما نزلت إيفانجلين من عربتها، لم يكن هناك سوى ضباب كثيف وقوس الدخول. لكن الآن، ومع وصولها هي وماريسول إلى الليلة الأولى من احتفال "الليلة التي لا تنتهي"، بالكاد استطاعت رؤية القوس الجديد وسط لاعبي الفؤوس مفتولي العضلات والمهرجين الذين يؤدون حركات بهلوانية فوق ظهور خيول مدرعة.


كانت الموسيقى تعزفها فرقة من العازفين بأكمام منتفخة، تحيط برجال بشعر أبيض يرتدون أردية فضية طويلة ويقفون بجانب قدور ضخمة مليئة بكل شيء، من عصير التوت البري المتلألئ إلى مشروب الحظ الرغوي. ومع ذلك، بدا أن معظم الناس يتجهون نحو امرأة تقف بجانبهم وتبيع زجاجات براقة من "مياه فورتونا ذات النكهات العجيبة".


إيفانجلين لم تدخل الحفل الرسمي بعد، ومع ذلك شعرت وكأنها بدأت تعيش قصة خيالية شمالية، حيث كل شيء يبدو خيالياً اكثر مما ينبغي. كان الفرح ملموسًا، و الخيال في الهواء يمكن تذوقه، والسماء بدت أقرب إلى الأرض. لو كان معها خنجر، لتخيلت أنها تستطيع أن تقطع جزءًا من تلك الليلة كما لو كانت قطعة كعك، وتأخذ منها قضمة من هذا الظلام الساحر.


ورغم أن ماريسول كانت ترتبك قليلًا من بعض الأشياء السحرية، إلا أنها بدت مستمتعة. اختفى التوتر والارتباك الذي كان في وقت سابق، وكانت إيفانجلين تأمل ألا يحدث شيء يعيد تلك المشاعر من جديد.


نظرت إيفانجلين بسرعة تبحث عن "جاك"، وشعرت بالارتياح لأنه لم يكن بين الحشد المنتظر للدخول عبر القوس. ليس لأنها توقعت رؤيته في الصف—فهي لا تستطيع تخيل احد من"الاساطير" يصطف لأي شيء.


لو كان "جاك" موجودًا، فربما كان قد دخل بالفعل إلى الحفل، متكئًا بكسل على شجرة وهو يرمي بقايا تفاحه على أرضية الرقص.


بدأت الفراشات النائمة داخل إيفانجلين تتحرك. كانت تأمل بشدة أن ترى "أبولو" الليلة قبل أن يلمحها جاك.


لم يتبقَ أمامها هي وماريسول سوى فتاتين فقط. كل واحدة منهما ترتدي فستانًا مصنوعًا من أغلفة كتب جلدية في الأعلى، وصفحات قصص حب في التنورة.


سمعت إيفانجلين ضحكة خفيفة من إحدى الفتاتين وهي تقترب من المدخل. كان القوس مختلفًا عن ليلة الأمس. كُتبت عليه عبارة "عسى أن تجدي نهايتك السعيدة"بخط بارز، وبدلًا من الرموز المتنوعة، نُحت على جانبيه شكلان: عريس وعروس. وجه العريس كان يشبه الأمير أبولو، أما وجه العروس فكان يتغير ليشبه كل فتاة تمر من تحته.


رأت إيفانجلين السعادة الخالصة على وجوه الفتاتين أمامها. كان الأمل يتدفق منهما، واضحًا كضوء يمر عبر الزجاج، وهما بلا شك تتخيلان أن الأمير أبولو قد يختار إحداهما.


ربما كان هذا هو  السحر الحقيقي في "الليلة التي لا تنتهي "—ليس العازفين أو السحرة، بل ذلك الأمل الساحر الذي يشعر به الجميع. فكرة أن مصير الإنسان يمكن أن يتغير في ليلة واحدة مدهشة كانت ساحرة بحق. وشعرت إيفانجلين بتلك القوة وهي تمر تحت القوس.


لفحتها نسمة دافئة ملتفة، وسمعت همسة خشنة تقول:  

"كنا ننتظرك..."


خطت خطوة أخرى، فتحول الهواء إلى رائحة حارة من عصير التفاح الساخن وفرص جديدة. توترت إيفانجلين عندما شمّت رائحة التفاح، لكنها لاحظت أن الندبتين المتبقيتين على معصمها لم تشتعلا، ولم ترَ أي شاب وسيم بشكل مؤلم بشعر متموج بلون الأزرق الداكن.

كانت إيفانجلين داخل قاعة رقص في قلعة حجرية قديمة، ولم ترَ من قبل هذا الكم من الدهشة على وجوه الناس. معظم السيدات وبعض الرجال كانوا يرفعون أعينهم نحو الأقمشة المزخرفة والشرفات المزينة، يبحثون عن الأمير ولي العهد "أبولو"، لكن كثيرين آخرين بدوا وكأنهم يذوبون في أجواء الحفل حرفيًا.


في أنحاء القاعة الكبيرة، انتشرت أبواب طويلة نُقشت عليها كلمات مثل "فرصة"، "غموض"، أو "مغامرة". رأت إيفانجلين شابين يمسكان بأيدي بعضهما وهما يدخلان من باب كُتب عليه "حب". وعلى مقربة منهما، كانت فتاة بشعر ذهبي يشبه القش، ترتدي تاجًا من الورق، تأخذ نفسًا مرتجفًا وهي تخطو فوق رقعة شطرنج ضخمة بالأبيض والأسود. كان هناك لاعبون آخرون أيضًا، يرتدون عباءات الأساقفة فوق سترات ملونة، أو قفازات تمثل الجنود، أو علامات أخرى تميزهم، وهم يلعبون نوعًا من الشطرنج حيث القطع البشرية تتبادل القبل بدلًا من أن تطرد بعضها من الرقعة.


شعرت إيفانجلين باحمرار خجول وهي ترى جنديًا يقبّل فارسًتاً ترتدي جلدًا أسود.


قالت "لالا"، التي ظهرت بجانبها وسط ومضة من الذهب والبرتقالي المتلألئ:  

"اللعبة ممتعة جدًا في الواقع."  

كان فستانها بدون أكمام، يتناغم مع وشوم نارية على ذراعيها، وشق التنورة يتحرك حول ساقها المكشوفة وكأنه لهب حي.


قالت إيفانجلين بإعجاب:  

"تبدين مذهلة! أعتقد أن الشموع حول العالم تغار منكِ الليلة."


ضحكت لالا وانحنت بخفة:  

"شكرًا! لطالما أردت أن أجعل النار تغار مني."  

ثم أشارت نحو رقعة الشطرنج، حيث كانت الفتاة ذات التاج الورقي تقف على أطراف أصابعها لتقبّل شابًا طويلًا يرتدي عباءة سوداء تشبه زي الأسقف. كانت يداها ترتجفان، لكن وجنتيها احمرّتا من الحماس، أما الشاب فبدا متوترًا أيضًا. وقف بلا حراك، ولم تستطع إيفانجلين أن تحدد إن كان خائفًا من القبلة، أم من احتمال أن تتراجع الفتاة عنها.


تساءلت إيفانجلين إن كانت لعبة الشطرنج بالقبلات قد تكون مفيدة لماريسول، ربما تعزز ثقتها بنفسها، لكنها لاحظت أن ماريسول لم تمر بعد عبر القوس.


"هل ستجربينها؟" سألتها لالا.


قالت إيفانجلين : "لست متأكدة أنني أفهم كيف تعمل أصلًا"


أجابت لالا:  

"لا توجد قواعد كثيرة في شطرنج القبلات. كل فريق لديه لاعب واحد يحرّك القطع البشرية، ويُقرّبها من قطع الفريق الآخر حتى يقرر زوج منهم أنه يفضل تقبيل بعضهما على أي شخص آخر."


سألت إيفانجلين : "هل هناك فائز في هذه اللعبة؟ أم أنها مجرد ذريعة لجعل الناس يتبادلون القبل؟" .


ضحكت لالا وقالت بتنهيدة:  

"وهل يهم؟ إنها قبلات..."


سألتها إيفانجلين : "لماذا لا تلعبين أنتِ؟" .


ردّت لالا وهي ترفع وجهها نحو شرفة داخلية فارغة وتتظاهر بنظرة حالمة:  

"كنت سأفعل، لكنني لا أستطيع مقاومة فرصة مع الأمير أبولو."


استغلت إيفانجلين لحظة لتتفقد الحفل، تبحث عن أمير آخر. كان من السهل أن تنجرف وسط الأجواء الساحرة، لكنها كانت بحاجة للبقاء يقظة. ندوب معصمها لم تكن تؤلمها بعد، لكنها وجدت صعوبة في تصديق أن "جاك" لم يكن هناك. الجميع بدا وكأنه وصل ،و القلعة كانت تمتلئ بالناس أسرع من امتلاء سفينة غارقة بالماء.


ربما كانت بحاجة للبحث بتركيز أكثر. راحت عيناها تتنقلان من رجل إلى آخر، تخترق الزحام في القاعة حتى—جاك.


قفز قلبها فجأة.


كان يقف عند طرف ساحة الرقص، مستلقياً على أريكة مجنّحة، يرمي تفاحة سوداء بيده.


كان يبدو وكأنه قرار سيئ ينتظر شخصًا تعيس الحظ ليتخذه. شعره الأزرق الداكن كان فوضويًا، و كانت نصف عباءة جاك السوداء مائلًة بطريقة غير مرتبة، تتدلى على كتفه لتكشف عن سترة رمادية دخانية غير مكتملة الأزرار.


أسقط تفاحته، ونهض من الأريكة، ثم توجه نحو فتاة ترتدي فستانًا ورديًا منفوشًا يشبه السكر. فتاة تشبه ماريسول بشكل مقلق.


رمشت إيفانجلين، وكأن ما تراه قد يتغير فجأة، فتجد جاك يتحدث إلى نافورة العصير الوردية بدلًا من تلك الفتاة. لكنها كانت ماريسول بالفعل، وكانت تبتسم بسطوع جعل إيفانجلين تراها تتوهج من الطرف الآخر للقاعة.


متى دخلت الحفل أصلًا؟


كانت إيفانجلين تظن أن القوس قد أوصل ماريسول إلى نفس المكان الذي أوصلها إليه، لكن يبدو أنه لم يفعل، أو أن ماريسول عبرت القاعة بعد أن فشلت في العثور على إيفانجلين، ثم توجهت مباشرة إلى جاك، مثل أرنب بريء يقفز نحو طريق صياد.


راقبت إيفانجلين المشهد برعب، وهي ترى ماريسول تبتسم بخجل، وجاك يرد بابتسامة مغرية وينحني لها بانحناءة مهذبة. في الليلة الماضية، تجاهل جاك الجميع باستثناء إيفانجلين وأبولو، لكن الآن بدا وكأنه يطلب من ماريسول أن ترقص معه.


شعرت إيفانجلين بانقباض غير مريح في صدرها. من بين كل الرجال الذين كان يمكن أن تقابلهم ماريسول في "الليلة التي لا تنتهي"، لماذا جاك تحديدًا؟ لم تكن إيفانجلين تعتقد أن الأمر مجرد صدفة. لا تزال لا تعرف ما هي اللعبة التي يلعبها جاك، لكنها لم تكن لتسمح له بأن يجر ماريسول إلى ذلك أيضًا. لقد عانت بما يكفي.


كانت بحاجة لأن تبقى بعيدة عن جاك، لكنها أيضًا لا تستطيع أن تتركه يؤذي أختها غير الشقيقة.


استدارت نحو لالا، على وشك أن تعتذر وتغادر، حين بدأ القصر كله يهتز ويرتجف. امتلأت الشرفات الحجرية بعازفي الأبواق يرتدون معاطف نحاسية أنيقة.

رفعت كل الرؤوس أنظارها للأعلى. ثم التفت الجميع في نفس اللحظة عندما انفتح باب يحمل اسم "الهيبة"، ودخل ولي العهد "أبولو أكاديان" إلى قاعة الرقص ممتطيًا حصانًا ذهبيًا يهدر بصوت قوي.


"يا صاحب السمو!"  

"الأمير أبولو!"  

"أنا أحبك!"

 صاح الناس وكأنهم لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم.


كان أبولو يبدو أقل أناقة من الليلة الماضية. تخلى عن تاجه، ولم يرتدِ حتى سترة رسمية. بل كان يرتدي زيًّا يشبه الصياد: حذاءً جلديًا متينًا، سروالًا بنيًا بلون الخشب، قميصًا مفتوح الياقة، وسترة من الفرو مزينة بأشرطة جلدية متقاطعة، تحمل قوسًا ذهبيًا وجعبة سهام على ظهره المستقيم.


كان بإمكانه أن يكون "رامي السهام" من الحكاية الشمالية المفضلة لدى إيفانجلين: *أنشودة الرامي والثعلبة*. وبينما كان يبحث بعينيه في القاعة، كانت نظراته مشتعلة بنفس القوة التي ظهرت عليه عندما شاهدها تغادر الشرفة الليلة الماضية.


قالت لالا وهي تشبك ذراعها بذراع إيفانجلين وتشدها نحوها بحماس:  

"أعتقد أنه يبحث عنكِ! لا بد أنكِ ثعلبته!"


تمتمت إيفانجلين:  

"هل هذا أمر جيد أم سيئ؟ لا زلت لا أعرف كيف تنتهي تلك القصة."


ردّت لالا بابتسامة:  

"لا أحد يتذكر نهاية القصة، لكن لا يهم. هو لا يحاول إعادة تمثيلها، إنه يقوم بإيماءة رومانسية!"


لم تجد إيفانجلين كلمات ترد بها. يبدو أن قبلة البارحة أثّرت في أبولو بصدق.


راودها شعور بأنها تريد أن تبحث عن "أمير القلوب" لترى رد فعله، لكنها لم تستطع أن تُبعد عينيها عن أمير الشمال العظيم، بينما كان حصانه الذهبي يبطئ خطواته ويتوقف في وسط القاعة.

قال أبولو بصوته العميق الذي أسكت الحضور:  

"مساء الخير. أعلم أنني من المفترض أن أطلب الرقص من خمس فتيات، لكنني لا أستطيع الالتزام بهذا التقليد الليلة."  

توقف لحظة، وبدا عليه التردد.  

"هذا المساء، لا أرغب إلا في الرقص مع فتاة واحدة فقط."  

وأخيرًا، التقت عيناه الداكنتان بعيني إيفانجلين—وكانتا جائعتين.


تحولت ساقاها إلى ما يشبه الكاسترد.


الفتيات في أنحاء القاعة بدأن يتمايلن من شدة التأثر.


قالت لالا بانتصار:  

"كنت أعلم ذلك!"


همست إيفانجلين:  

"أنتِ بجانبي، ربما ينظر إليكِ."


ردّت لالا بثقة:  

"كلانا يعرف أنه لا يفعل."


ثم تبع ذلك المزيد من التنهيدات والإعجاب.


نزل أبولو من حصانه، وتوجه نحوها بخطوات واثقة، كما يفعل من لم يختبر الرفض من قبل.


فكّت إيفانجلين ذراعها من ذراع لالا وتقدمت لتنحني له.


لكن أبولو توقف على بعد خطوات منها، ومدّ يده نحو فتاة أخرى—جميلة جدًا، ترتدي فستانًا بلون الشمبانيا، وشعرها الأسود المستقيم يتدلى كستارة لامعة، تعلوه دائرة ذهبية رفيعة.


شعرت إيفانجلين وكأنها تحولت إلى حجر من جديد.


أمسكت لالا بذراعها بسرعة وسحبتها إلى داخل الحشد، لكن ذلك لم يمنعها من سماع بعض الضحكات والهمسات.


"هل رأيتوها؟"  

"كانت تظن أن الأمير جاء من أجلها."


قالت لالا:  

"تجاهليهم. أنا أيضًا ظننت أنه سيطلبكِ."


حاولت إيفانجلين أن تمزح لتخفف من الموقف:  

"أعتقد أنني تعلمت درسي بشأن تصديق ما يُكتب في صفحات الفضائح..."

كانت تحاول أن تمنع نفسها من البكاء خجلًا.


ضحكت لالا بلطف، لكن صوتها اختفى سريعًا وسط أصوات الآخرين. الفتاة الجميلة التي اختارها أبولو كانت الأميرة المفضلة "سيرينديبيتي سكايستيد"، ويبدو أن الجميع كانوا يتوقعون ذلك.


"كنت أعلم أنها ستكون هي."  

"إنها راقية جدًا وتتحدث سبعًا وعشرين لغة."  

"عائلتها نبيلة جدًا. لم يكن هناك خيار آخر."


مع كل تعليق، شعرت إيفانجلين وكأنها تتضاءل، تنكمش وسط الحشد، تحاول أن تغرق تلك الأصوات وتكتم إحساسها المتزايد بالإهانة.


كان الأمر سخيفًا. هي لا تعرفه حتى. لا ينبغي أن تشعر بالرفض، لكن من الصعب تصديق أن مغامرتها في الشمال انتهت قبل أن تبدأ فعليًا. وجزء منها كان يظن أن قبلتهما تركت أثرًا، لكن ربما كانت مجرد بصمة على قلبها هي فقط.


أبعدت إيفانجلين ذراعها عن ذراع لالا وقالت:  

"أعتقد أنني سأذهب لأحصل على بعض العصير."  

ربما كمية تكفي لتغرق فيها.


ثم جاء صوت داخلي منخفض:  

"الشفقة لا تليق بكِ، أيتها الثعلبة الصغيرة."


تجمدت إيفانجلين في مكانها.


كان الصوت في رأسها يشبه صوت جاك. لم تسمعه يتحدث بهذه الطريقة من قبل. لم تكن متأكدة إن كان هو فعلًا، ربما كان مجرد خيال، لكنه ذكّرها بماريسول، وبأنها لا تزال بحاجة لإنقاذها.


نظرت إيفانجلين في أنحاء القاعة بحثًا عن أختها غير الشقيقة وجاك، لكنها لم تجدهما. الحشد أصبح كثيفًا جدًا.


ثم جاء صوت عميق من خلفها مباشرة:  

"عذرًا."  

كان يشبه صوت الأمير أبولو. لكن إيفانجلين كانت تعرف جيدًا ألا تنخدع بوهم آخر، وتتخيل أنه جاء ليبحث عنها بجانب نافورة العصير.

"إيفانجلين..." جاء الصوت أعلى قليلًا، وتبعه لمسة خفيفة من قفاز جلدي ناعم على كتفها العاري.  

"هل تمانعين أن تلتفتي؟ ظهرك جميل، لكنني أفضل أن أرى وجهك."


نظرت إيفانجلين بحذر خلف كتفها.


كان الأمير أبولو واقفًا خلفها مباشرة. أقسمت أنه بدا أطول مما تتذكر، وهو ينظر إليها بابتسامة خجولة قليلًا، مختلفة عن تلك التي أظهرها في القاعة—مجرد انحناءة بسيطة في شفتيه.


قال بصوت خافت ومبحوح:  

"مرحبًا مجددًا. تبدين وكأنكِ حلم تحقق."


شعرت إيفانجلين بشيء يذوب داخلها. لكنها، بعد ما حدث سابقًا، كانت تخشى أن تتخيل سبب وقوفه هناك، ينظر إليها وكأنه يعني ما قاله فعلًا.


بدأ حشد صغير يتجمع حولهما، ولم يحاول أحد التظاهر بعدم المراقبة.


حاولت إيفانجلين تجاهلهم، وأكملت التفافها وقدّمت انحناءة هادئة للأمير.  

"سعدت برؤيتك مجددًا، يا صاحب السمو."


قال وهو يرفع يدها إلى شفتيه ويطبع قبلة خفيفة على مفاصل أصابعها، وكأنها مقدسة:  

"كنت آمل، بعد ليلة الأمس، أن تناديني فقط بـ أبولو."


تسببت لمسته في ارتجافة ناعمة على جلدها، لكن ما سلب أنفاسها فعلًا كان النظرة في عينيه البرونزيتين المشتعلتين. شعرت وكأن ساقيها تذوبان من جديد، وأملها بدأ يتخيل أشياء لا ينبغي له تخيلها.


انتظرت أن يقول شيئًا آخر، لكنه فقط ابتلع ريقه. أكثر من مرة. تفاحة آدم في عنقه تحركت صعودًا وهبوطًا. بدا وكأنه فقد الكلمات. متوتر. كانت هي من جعلت الأمير الذي تمدد على الشرفة ليلة البارحة يشعر بالتوتر.


وهذا منحها دفعة شجاعة لتقول:  

"ظننت أنك ستطلب الرقص من فتاة واحدة فقط الليلة."

قال أبولو:  

"أنا لم أكن لأفعل ذلك أصلًا، لكن هناك قانون مزعج يُجبرني على دعوة فتاة واحدة على الأقل للرقص."  

ثم ابتلع ريقه، وانخفض صوته قليلًا:  

"كنت سأطلبكِ، لكنني كنت أعلم أنه لو كنتِ بين ذراعيّ، فلن أتمكن من إنهاء الرقصة قبل أن أفعل هذا."


ثم جثا أبولو على ركبة واحدة.


توقفت أنفاس إيفانجلين فجأة.


لا يمكن أن يكون يفعل ما تعتقد أنه يفعله. لم تكن تريد حتى أن تسمح لنفسها بالتفكير في ذلك—ليس بعد ما حدث سابقًا وجعلها تشعر بالحرج.


لكن كل من كانت تحاول تجاهلهم كانوا يفكرون في نفس الشيء الذي تحاول هي ألا تفكر فيه. 

بدأت الهمسات تنتشر، وازداد عدد الناس من حولهم، محاصرين إيفانجلين وأبولو في دائرة من الفساتين الفاخرة، والسترات الحريرية، والوجوه المذهولة. رأت ماريسول بينهم، تبتسم ابتسامة عريضة. لم ترَ جاكس

، لكنها تساءلت عما يفكر فيه الآن. لا تزال لا تعرف ما الذي يريده. لكن إن كان جاك منافسًا لأبولو، فلا يمكن أن يكون قد خطط لهذا المشهد.


أمسك أبولو بكلتا يديها بين يديه الدافئتين وقال:  

"أريدكِ، يا إيفانجلين فوكس. أريد أن أكتب لكِ أناشيدًا على جدران قاعة وولف، وأن أنقش اسمكِ على قلبي بالسيوف. أريدكِ أن تكوني زوجتي، وأميرتي، وملكتي. تزوجيني، إيفانجلين، ودعيني أمنحكِ كل شيء."


رفع يدها إلى شفتيه مرة أخرى، وهذه المرة، عندما نظر إليها، بدا وكأن العالم كله اختفى. كانت عيناه تقولان ألف كلمة ساحرة، لكن الكلمة التي شعرت بها أكثر من أي شيء كانت: "مرغوبة". أبولو أرادها أكثر من أي شخص آخر في القاعة.


لم ينظر أحد إلى إيفانجلين بهذه الطريقة من قبل—ولا حتى "لوك". في الواقع، لم تعد تستطيع حتى أن تتخيل وجه لوك. كل ما كانت تراه هو الشوق، والأمل، ولمحة من الخوف في تعبير أبولو، وكأنه يخشى أن تقول لا.  

لكن... كيف يمكنها أن تفعل ذلك؟

لأول مرة منذ شهور، شعرت أن قلبها ممتلئ لدرجة الانفجار.


وعندما فتحت إيفانجلين فمها، قالت تمامًا ما تقوله معظم الفتيات لو تقدم لها أمير ملكي وسط قاعة ساحرة:


"نعم."

تعليقات

المشاركات الشائعة