مملكة سلفاتيا ٩

   

  [9]

   [تصالح الأختان]

**اللهم صل وسلم على سيدنا محمد **


مرت الليلة بألم صامت ، حتى بزغ فجر جديد على أروقة القصر.

 
في جناحها المترف، طلبت الأميرة روز من خادمتها أن تستدعي "رويده".


كانت  الأميرة عازمة على الحديث معها، لكن رويده غابت، واكتفت بإرسال عذرٍ مبهَمٍ لا يُرضي القلب. التزمت روز الصمت أولًا، ثم نظرت إلى الخادمة وقالت :
"اخبريني بالحقيقة ...."

ردة الخادمة : " لا ادري سموك ، لكن  منذ البارحة ، ورويده ترفض الحديث، لا تأكل، و لا تشرب، ولا تُشارك في أي نشاط من أنشطة القصر."


اندهشت  روز من سماع ذلك . لكنها فظلت ان تلتزم الصمت، تترقب أن تعود رويده كما كانت، لكن شيئًا لم يتغير.

 
حتى إذا حلّ المساء، وبالتحديد عند التاسعة ليلًا، طلبت روز من خادمتها أن تحضر رويده إلى غرفتها. كان الطلب صارما هذه المرة ، وربما نهائيًا.

اقنعت الخادمة رويدا بصعوبة  .


فتحركت رويده  نحو غرفة الاميرة  و الحزن يسكن ملامحها ،  ومع ذلك، وصلت إلى الباب وهمست باسمها. لتاءذن لها الاميرة بدخول.


فتحت رويده الباب بهدوء، ودخلت بخطواتٍ مثقلة بالحزن.

قالت روز : 
"ها أنتِ ذا ، ... لم أركِ طوال اليوم."

رويده، بصوت خافت وعينين مرهقتين: 
"لم أكن على ما يُرام... كنت متوعكة قليلا ."

ابتسمت روز ، وقالت : 
"أعرف كيف أُخفف عنكِ، انتظري لحظة."

 فتحت روز خزانتها المطرّزة بالذهب، وأخرجت فستانًا أصفر، منقوشًا بخيوط لامعة. 

روز : 
"ما رأيكِ؟ ،  انه من تصميمي ..."

رويده، وقد اتسعت عيناها دهشة: 
"واو ! ، انه بغاية الجمال ! "

روز،: 
"أحقًا هو كذلك  ؟"

رويده، مبتسمة بلطف: 
"نعم، أكيد."

قدّمت روز الفستان لها، وقالت : 
"جربيه... اذا."

رويده :  "أنا ؟!!!! "

روز، مؤكدة بثقة: 
"نعم... جربيه."

أخذت رويده الفستان منها واتجهت الى بيت الخلاء .
وعندما خرجت،  كان جمالها يشعّ مع تفاصيل الثوب وكأنها.

روز، منبهرة: 
"واو... تبدين مثل ألاميرات ."

رويده:  "اجل ، لم أرتدِ شيئًا كهذا حتى في مملكـ........، اقصد حتى في أحلامي."

اقتربت روز ، ووضعت يدها على كتف رويده وقالت: 
"إنه لكِ، يا تيا."

تراجعت رويده : 
"لي؟ لا... لا يمكنني قبول هدية كهذه...."

قالت روز، بعينين تلمعان  : " انتي مثل اختي يا تيا ، بطبع ساعطيك كل ماهو ثمين "


انهمرت دموع الفرح على وجنتي رويده ،همست  وهي تمسحها : " شكرا روز ، هذا يعني الكثير لي "

 
  نظرت إليها نظرة امتنان وتوجهت الى الحمّام مجددا  لتخلع الثوب. بينما جلست روز على طرف السرير، تلتزم الصمت وتنتظر.

ثم فجأة، سمعت صوتٌ خافت قادم من النافذة .
اقتربت بتوجس، مدّت يدها وازاحت الستارة... وهناك، وجدت منديلًا مُعطّرًا موضوعة بعناية على حافة النافذة. وعليها عبقٌ مريب.


                      ...❤️❤️❤️....


بعد لحظات، خرجت رويده من الحمّام تبحث بعينيها عن روز، فلم تجدها.
اقتربت من الستار الذي ازيح  لتجد أثرًا صغيرًا ،كانت قطعة من ثوب روز معلقة في طرف النافذة. فتجمدت ملامحها.


اندفعت نحو النافذة،  ققزت برشاقة ، ثم ركعت بأمان على  الأرض.

تبعت آثار أقدام  قادتها نحو الحديقة الخلفية.


و هناك، عند باب الحديقة ، لمحت عربة ذات عجلات خشنة، يحيط بها شابّان مجهولان... وكانت روز بينهم، فاقدة الوعي.

رويده، بصوت مشحون بالغضب: 
" توقفوا فورًا!"

رمقها أحدهما ببرود، بينما وضع الآخر جسد روز فوق العربة.
اقترب منه الشاب مستهيناً بها ، فاندفعت رويده ، بلا تردّد. وركلته  في صدره حتى تراجع مترنحًا.

 
ابتسمت رويده وزدادت ثقة . فسددت ركلة اخرى نحوه  ، لكن الشاب امسك بساقها ، وركل قدمها الاخرى لتسقط على الارض بعنف .
بقت  أرضًا لبرهة ، و جسدها يتألم من هول السقطة .


قال الخاطف بستخفاف  : " كان هذا سهلا "


ناد الاخر : " تعال وساعدني على تحريك العربة "

تمالكت رويدا رباطة جاشها ، ورفعت بصرها  لتمح قدم أحد الخاطفين ، استجمعت ما تبقّى من قوتها، وامسكت بقدمه  لتقلب توازنه. ليسقط فوق زميله ، فينهار الاثنان للحظات.

استغلت الفرصة ،، ونهضت مسرعة  ،  نحو العربة حيث تستلقي روز دون حراك.

 
حملتها بصعوبة على ظهرها ، وانطلقت متعثرة نحو القصر.و خطواتها بطيئة  بسبب عبء روز الثقيل .

تابع الخاطفان تعقبها ،حتى كادا يلحقان بها .

اسرت رويده : " هذا لن يجدي "


توقفت عن الهرب ، وضعت روز على الأرض بلطف  ، وقالت  وهي تسحب خنجراً صغيرًا من جيبها : "توقفا وإلا ستتأديان ....."


ضحك الخاطفين واخرجا سيفهما من غمدهما.

حينها اندهشت رويده   ... عينها وقعت على شعار محفور على نصل أحدهم ، كان رمز مملكة "سلفاتيا". 

 
  تمتمت لنفسها: 
"أنا... أميرة سلفاتيا، كيف لي أن أؤذي أحدًا من مملكتي؟"

نظرة في الارجاء حتى لمحت شجرة متهالكة الجذع .
  اسرت  : " وجدتها ! "

اندفعت نحو الخاطف وهي تتظاهر بالهجوم بخنجرها ، بينما عينها تراقب الشجرة.


وبحركة خاطفة، سرقت السيف من يده احدهما ، واخدت تسدد ضربات بكل قوتها على جدع الشجر المتهالك .


قال الاخر : " حسنا انتهى وقت اللعب يافتاة "

 
اقترب منها الخاطفان وفي وجههما جدية مخيفة ، لكن رويدا تابعت القطع.
اسرت : " بقى القليل ..... "


ثم سقطت الشجرة فجأة، لتحاصر الخاطفين بين أغصانها وركامها.
ابتسمت رويدا بفرح وقالت : " فعلتها ! "

 
لكنها فجاءت لمحت شيء يتقطر من ثوبها .
همست : " دم ؟ "


كانت منشغلتا تمام بتركييز على القتال حتى انها لم تلمح ان احد الخاطفين أصابها ، بدات فجاءة تشعر بدوار وتترنح .


وبينما تحاول ان تتمااك نفسها  وقع بصرها على مجموعة من النساء يقتربن من بعيد... ثم بدأت تتلاشى صورة الأفق و فقدت وعيها .


                 .....❤️❤️....


مرت دقائق ثقيلة، و فتحت الأميرة روز عينيها أخيرًا، لتجد حارستين حولها.

روز، بصوت مُضطرب: 
"ما الذي حصل؟ أين... أنا؟"

قالت الحارسة  : 
"لقد تعرضتِ للاختطاف، سيدتي. لكنكِ بأمان الآن."

زحزحت روز عينيها عن الحارساات ، فلمحت رويده مُلقاة على الأرض، تنزف  بجانب الشجرة المقطوعة .


هرعت اليها وهي صرخت:  "تيا !!"

 
تابعت وهي تركع عندها : " تيا اجيبني هل انتي بخير ؟ " 
خاطبت الحارستان بحزم : "لماذا تقفان هكذا ! استدعيا الطبيب حالًا!"

تحركت الحارستان سريعا ، وتوجهتا إلى القصر لإحضار المساعدة. أما روز، فقد بقت بجانب رويده.

-------

كانت سارة تمر بالقرب من العيادة الطبية حين سمعت الحوار الذي دار بينهم .

 شعرت باصدمة تشق صمت الحجر.و اهرعت بقلق شديد إلى الحديقة، وهناك وجدت أختها رويده ملقاة على الأرض.

اخدت تقترب وهي تتمتم : " لا ، لا ، هذا لا يمكن..... "

 ركعت سارة قربها ، رفعت جسد شقيقتها وبدات تحتضنها وهي تبكي .

  قالت روز بارتباك  :  

"أعرف أنك قلق عليها  لكن هذا......"


سارة، والدموع تغطي صوتها:  

"إنها... أختي. انه اختي الصغرى !"


روز، وقد غمرتها الدهشة:  

"أختك؟ ! ،اوه  لم اكن اعرف..."


عادت سارة لتحضن اختها وهي تقول  :  

"ارجوكِ... افتحي عينيك ، إنتي الفرد الوحيد الذي بقي من عائلتي... ارجوك لا تتركيني ،ارجوك لا تموتي !!!!! ."


وفجأة، تحرّكت رويده، فتحت عينيها بتعب، وقالت بصوت شاحب:  

"  من قال إنني ميتة؟ "


فرحت سارة فرحا شديدا واحتضنتها للمرة الثالثة .

تعليقات

المشاركات الشائعة