أسلوب رجال المافيا ١٣
[13]
[ابني أنا؟ يحمل اسم عائلتهم؟]
-----
في الصباح، دخلت ريبيكا إلى المشفى بوقارها المعتاد. لم تتجه إلى غرفة زوجها مباشرة، بل فضّلت التوقف قليلًا في المقهى الصغير داخل المشفى، حيث جلس حفيدها لوكاس في انتظارها.
وضعت حقيبتها الجلدية على الطاولة، ثم جلست أمامه، رفعت كوب الشاي برفق، راقبت البخار المتصاعد منه قبل أن تأخذ رشفة صغيرة.
قالت: "كيف حالك، لوكاس؟ كيف شعرت وأنت بجوار جدك البارحة؟"
أجابها بهدوء:
"أنا بخير، ووجودي بجانبه كان مريحًا."
وضعت الكوب جانبًا، وأخذت تنقر بأصابعها على طرف الطاولة.
قالت: "ماذا عن والدتك؟ كيف أحوالها؟"
رد بهدوء مجددًا: "إنها بخير، إنها تعمل في فندق إيثان، وتحصل على أجر جيد."
قالت وكأنها تتأكد من معلومة كانت تعلمها مسبقًا:
"إذن تعمل في فندق إيثان؟ لقد مررت عليه هذا الصباح."
استندت للخلف قليلًا قبل أن تضيف، وكأنها تراقب ردود فعله:
"سمعت أن والدتك على علاقة بفيكتور، أهذا صحيح يا لوكاس؟"
رفع الفتى حاجبيه قبل أن يبتسم بسخرية طفيفة، ثم قال بثقة:
"هذا مستحيل، أخبرتني البارحة أنها لا تواعد أحدًا."
أضاف بشيء من الحنق: "ولا أعتقد أن لها عملًا مع ذلك الرجل."
ضاقت عينا ريبيكا قليلًا، ثم ابتسمت برضا، وكأنها وجدت الجواب الذي يناسبها.
"هذا جيد بالنسبة لنا."
وضعت يدها على الطاولة، تنقر بإيقاع هادئ قبل أن تتابع بلهجة أكثر جدية:
"أود حقًا أن تبتعد والدتك عن هذه الأمور، حتى نعلن انضمامك رسميًا إلى عائلتنا. كما تعلم، لا يليق بوالدة حفيد آل آريال أن تتنقل بين الرجال."
لم يُجب لوكاس، لكن تعابير وجهه كانت تكفي لتوضيح رأيه. أنهت ريبيكا كوبها، ثم نهضت بثبات، إشارة واضحة إلى انتهاء الحديث.
تحرك الاثنان نحو غرفة العجوز، والصمت بينهما لم يكن سوى امتداد لما قيل. لكن عند وصولهما إلى الممر المؤدي للغرفة، توقفت ريبيكا فجأة.
نظرت إلى الباب، كان مفتوحًا بشكل غير طبيعي، لا أثر للحراس الذين كان يجب أن يكونوا هنا.
حدّقت قليلًا قبل أن تقول:
"أين الحراس؟ لماذا الباب مفتوح بهذا الشكل؟"
لكن لوكاس لم ينتظر تفسيرًا، ركض سريعًا نحو الداخل، وريبيكا بدورها سارعت بخطوات ثابتة.
بمجرد أن دخلا، كان المشهد أمامهما فظيعًا. فجهاز التنفس مفصول عن كلامن!
كان وجهه شاحبًا بشكل غير طبيعي، جسده مسجّى كما لو أن الحياة بدأت تتلاشى منه.
أهرع لوكاس إلى الجهاز، وأخذ يحاول توصيله من جديد، أصابعه المرتبكة بالكاد تمكنت من التعامل مع الأسلاك.
قال: "جدي، تحمّل، سأعيد تشغيله!"
أما ريبيكا، فقد اندفعت نحو الباب، ونادت بصوتها الحاد:
"الممرضون! تعالوا فورًا!"
لكن لم يكن هناك أي وقت كافٍ، كان الأوان قد فات.....العجوز كلامن توقف عن التنفس تمامًا.
------
توفّي كلامن بعد يوم من استفاقته، لم تستمتع ريبيكا برؤية زوجها واعيًا سوى يوم واحد، لكنها علمت أنه موته متعمّد.
حتى أن أجهزة المراقبة رصدت شخصًا متنكرًا يخرج من الغرفة، لكن لا أحد يعلم ماذا حصل قبل ذلك، فقد تلاعب أحدهم بتلك الأجزاء.
كانت ريبيكا تستشيط غيظًا من الداخل، لكن عجوزًا مثلها يجب أن تبقى قوية وتتصرف بشكل صحيح حتى في هذه الأوقات.
وبطلب منها، اجتمع كبار رجال الأعمال، ونساء نافذات، والإعلاميون في قاعة ضخمة مساء اليوم.
كان فيكتور من الحاضرين. كان يقف في الخلف وبجانبه كلاود.
قال فيكتور: "هل تأكدت أنه لم يترك دليلًا خلفه؟"
رد كلاود: "لا تقلق، حتى سجلات المراقبة موجودة معي."
أسرّ فيكتور: "هذه واحدة بواحدة يا ريبيكا."
جاءت هيلين إليهما وهي ضجرة،
قالت: "ما بال إيثان! لا يرد على مكالماتي منذ الأمس، ولم يحضر جثمان كلامن هذا الصباح."
أضافت: "هذه ليست من عاداته."
ابتسم فيكتور بهدوء وهو يتذكر كيف أبرحه ضربًا البارحة.
أسرّ: "ذلك الجبان."
وفجأة خطرت على باله أيلا، وشعر بنبض قوي في قلبه.
قال بانزعاج: "سحقًا."
تقدّمت ريبيكا بثبات، نظراتها باردة كعادتها، وجهها يحمل هالة من السلطة المطلقة، ثم وقفت أمام الحشود لتبدأ حديثها بصوت متمكن:
"يؤسفني اليوم أن أودّع زوجي العزيز، إنه يومٌ أسودٌ لعائلتنا."
توقفت للحظة، وكأنها تمنح الجميع فرصة لاستيعاب الحزن، ثم تابعت، بصوت أوضح:
"لكنني هنا اليوم أيضًا لإعلان شيء مهم، أمر يجب أن يُكشف في نفس هذا اليوم الحزين."
بدأت همسات تتصاعد بين الحضور، بعضهم أدرك أن هناك شيئًا غير متوقع سيقال، أما فيكتور، الذي كان واقفًا في الخلف، فبدأ يستمع باهتمام وهو يقف مع عائلته بكبرياء.
أكملت ريبيكا: "ابني الراحل، لم يرحل دون أن يترك امتدادًا."
توقفت مجددًا، وكأنها تستمتع بلحظة ترقّب الجمهور، ثم قالت بوضوح جليد:
"لوكاس، ابن وينز آريال، سيكون الوريث الرسمي، وسيحمل اسم العائلة، ويتحمّل مسؤولية استمرار إرثنا."
وفي تلك اللحظة، لم يكن هناك شيء سوى الضجيج، ووميض الكاميرات، وقلوب انصدمت بالخبر.
لم يكن الخبر جديدًا على كلاود، لكن هيلين قالت بذهول: "ما هذا؟! منذ متى ولاوينز ابن؟"
استدارت إلى فيكتور، متوقعة منه إجابة، لكنه كان واقفًا هناك، مجمّدًا تمامًا، وكأن الزمن توقّف عنده للحظة.
أخرج يديه من جيوبه ببطء، نظر إلى ريبيكا من بعيد، ثم همس لنفسه بشيء يكاد يكون حنقًا خالصًا:
"ابني أنا؟ يحمل اسم عائلتهم؟"
تابع بغيظ شديد: "هل هذا من فعلك يا أيلا ؟"
وفي لحظة واحدة اندفع خارج القاعة دون انتظار، بينما حاولت هيلين أن تتبعه.
نادت: "فيكتور، تمهّل، إلى أين..."
لكنها توقفت عندما سمعت تكملة تصريح ريبيكا.
كانت تقول: "لوكاس هو ابن وينز من خطيبته أيلا ، لقد توفّي قبل زواجهما لكنه ترك لنا ابنًا يرث عائلتنا..."
كانت عينا هيلين تتسعان من الصدمة.
أسرت: "أيلا أنجبت من وينز؟!"
تابعت بغيظ: "ألهذا خرج فيكتور؟"
---
في منزل أيلا....
كانت تجلس أمام مرآة غرفتها وهي تمسح مساحيق التجميل عن وجهها.
قالت: "من المؤسف أن أهدر كل هذا الكم من المساحيق لتخفيف هذه الكدمات."
كانت ترتدي ثوب النوم وعليه رداء طويل ومغلق من الوسط بإحكام.
بقيت واقفة أمام المرآة حتى سمعت طرقًا عنيفًا على الباب.
خرجت من الغرفة وهي تقول: "من هذا الوقح الذي يطرق بهذا العنف؟"
وفجأة سمعت صوتًا من خلف الباب، مشبعًا بالغضب والحدة، يقول:
"أيلا، افتحي الباب حالًا!"
تجمّدت في مكانها للحظة ثم تحركت، وفتحت الباب، لتجد فيكتور واقفًا هناك، عيناه مشتعلة، و أنفاسه متلاحقة.
قالت بفزع: "ما الذي يجري؟!"
صرخ: "هل فقدتِ عقلكِ؟!"
قالها بحدة، وهو يتقدّم نحوها، كانت نظراته مليئة بالغضب واللوم الذي لم يحاول حتى أن يخفيه.
تراجعت أيلا للخلف وهي تقول: "تمهّل يا فيكتور، لماذا أنت غاضب هكذا؟ ما الذي حصل؟"
تراجعت حتى ارتطمت بالحائط.
صرخ فيكتور بقوة:
"ماذا حصل؟! ريبيكا أعلنت عن لوكاس وريثًا لها!!"
تجمّدت أيلا في مكانها، عيناها اتسعتا بصدمة حقيقية، لكنها في نفس الوقت لم تستاء تمامًا. ريبيكا كانت أغنى امرأة في البلاد، وهذا الخبر لم يكن كارثيًا في نظرها.
حاولت إخفاء سرورها، فقالت ببطء: "حسنًا، ريبيكا كانت تعتقد أنه حفيدها، بطبيعة الحال ستعلن عنـ..."
ضرب فيكتور على الجدار بعنف حتى احتمت أيلا للحظات خوفًا من أن يضربها.
قال: "إنه ابني يا أيلا! كيف يحمل اسم عائلتهم؟!"
أضاف وهو يحاول أن يتمالك نفسه: "أهذا من فعلكِ؟ هل أنتِ من طلبت هذا؟!"
أرخت أيلا دفاعها،و نظرت إليه بسرعة، وكأنها تلقّت صفعة غير متوقعة.
قالت: "أنا؟! أتعتقد أنني فعلت هذا؟!"
قال فيكتور بيأس: "هل يجب أن تجعليني أندم على معرفتك يا أيلا؟"
أضاف بغضب: "لا تجعليني أندم أنني أحببتك!"
"أحببت من يا هذا؟" قالها لوكاس وهو يدخل من الباب.
ملأت الصدمة المكان، كانت ملامح الصدمة تعلو وجههما، ابتعد فيكتور عن أيلا وأدار ظهره.
تقدّمت أيلا إلى ابنها قائلة: "لوكاس، لوكاس تمهّل..."
قاطعه قائلًا: "سأسألك سؤالين، وأرجو ألا تكذبي."
نظرت أيلا إليه بخوف، بينما سأل لوكاس وهو يحاول أن يبقى هادئًا: "هل هو من سبب لك هذه الكدمات؟"
أجابت: "لا! أقسم أنه ليس هو!"
تقبّل لوكاس تلك الإجابة بصعوبة، وأضاف سؤالًا آخر بكل تهذيب:
قال: "حسنًا، هل يجبرك على شيء أو يهددك؟"
أيلا: "لا أبدًا!"
صرخ لوكاس بملء صوته: "إذًا لماذا تدخلين هذا الوغد إلى منزلنا؟!!!!!!"
خيّم صمت ثقيل بعد ذلك الصراخ. بدت أيلا وكأنها قد فقدت قدرتها على التنفس للحظات.
لم يكن في عينيه غضبٌ عادي، لم يكن مجرد انفعال، كان هناك احتقارٌ يتغلغل في نظراته إليها.
همس ببرود أحرق روحها: "منذ متى أصبحتِ جيدة في الكذب هكذا؟ أخبرتني جدتي أنكِ على علاقة به، لكني أنكرت عليها بوضوح!"
حاولت أيلا أن تتكلم: "لوكاس، المسألة ليست كما..."
لكنه قاطعها بقوة: "كم مرة قلتِ لي إنه لا علاقة لكِ به؟ كم مرة وعدتِني أنكِ لن تقتربي من هذا الرجل؟"
لم يكن يسأل ليحصل على إجابات، كان يسأل ليحرق كل مبرر قد تحاول التفكير فيه.
قال: "ألهذا الحد كنتِ بحاجة لرجل؟ حتى لو كان هذا القذر تحديدًا؟ لم تجدي غيره؟ لم تستطيعي أن تختاري أي شخص آخر؟"
استدار فيكتور ببطء، كأن عقله يحاول استيعاب ما قيل للتو. نظر إلى أيلا، التي بدت مصدومة، ثم عاد ببصره إلى لوكاس.
قال: "أتعرفين؟ حتى العاهرات يملكن بعض الحدود، بعض الاحترام لأنفسهنّ، لكنكِ تجاوزتِ كل شيء فقط لأنكِ لم تتمكني من العيش وحدك!"
قالت بانكسار: "لوكاس، كيف أمكنك أن تتكلم معي هكذا؟"
"على الأغلب أنه فقد عقله." قالها فيكتور، ثم تقدّم حتى وقف أمامه، قال بحدة خطيرة: "من ناديت بالعاهرة للتو؟"
تابع وهو ينظر إلى عينيه: "ولنفترض أنني أواعدها، ماذا يمكنك أن تفعل؟ من أنت لتتكلم؟"
بدأت علامات الغضب تظهر على وجه لوكاس، حينها تابع فيكتور قائلًا: "هل أزعجك ذلك؟ سأخبرك بأمر سيزعجك أكثر."
نظرت إليه أيلا بصدمة، وتابع فيكتور: "واعدت والدتك من قبل، واعدتها قبل سنوات، وتعرف الخبر الأهم؟"
قالت أيلا: "إياك يا فيكتور، إياك..."
تكلم فيكتور دون أن يلقي اهتمامًا بكلماتها: "والدتك أنجبتك مني، لست ابن إدورد، ولا حفيدًا لريبيكا، ولا من آل آريال."
صرخت أيلا: "سحقًا لك يا فيكتور!"
تجمّد لوكاس لثوانٍ، ابتسم وقال ساخرًا: "هذه مزحة."
نظر إلى والدته ليرى في عينيها صدمة عارمة، وفي تلك اللحظة بدأ يشكّ حقًا.
قالت أيلا: "لوكاس، لا تغضب، سأوضح لك كل شيء..."
وقف للحظة في مكانه، ثم تراجع خطوتين إلى الوراء، وبعدها حمل نفسه مغادرًا.
رمقت أيلا فيكتور بنظرة غضب، ثم خرجت إلى الخارج وأخذت تحاول اللحاق به منادية: "لوكاس! لوكاس، توقّف!"
ركضت للحظات حتى وصلت إليه، وهناك تشبثت بذراعه بقوة، صوتها متهدّج، لكن ليس بدافع الصدمة فقط، بل بتوسّلٍ خالص:
قالت: "لوكاس، لا، كل ما فعلته كان لأجلك! كل شيء فعلته كان لصالحك."
لكن لوكاس أبعد يدها عنه، نظر إليها ببرود لم تعتد عليه.
استعاد ذراعه منها برفق، ثم قال: "منذ اليوم، لستِ أمي، وأنا لست ابنك."
ثم تابع طريقه دون أن يلتفت إليها، بينما بقيت تحدّق به بصدمة.
تعليقات
إرسال تعليق