أسلوب رجال المافيا ١٩

 [19]

[لا تنسي من خلع الخاتم أولًا]

......


كانت كلارا تجلس خلف مكتبها الواسع، ترتدي ثوبً أبيض بأزرار ذهبية وسترة رمادية أنيقة. كان وجهها هادئاً... لكنه لا يعكس ما في صدرها.

كان المساعدون من حولها يملأون الفراغ بكلمات عن عقود مؤجلة، ملفات شراكة، ومبالغ كانت معلقة لأشهر ، لم يصدقوا ان شركة ميلاني اصبح لها مدير جديد ، كان الموظفون يتعطشون لمن يوقع لاهم الاوراق ....  

كان كل شيء يُقال مفهوم ، إلا لكلارا ... التي كانت تُومئ بصمت، توقّع، تنظر دون تركيز.

بجوارها وقفت المحامية التي وكلتها لها الشرطة، ماريان، امرأة أنيقة لكنها صارمة.

 قالت ماريان:

 "سأتكفّل بصياغة البيان الرسمي. كل ماعليك فعله هو ان تلقيه في المحكمة ، يجب أن نكون صارمين مع هؤلاء المجرمين ، وأن نرمي كل من تورّط في المذبحة الى السجن ، لن يُفلت أحد، صدقيني."

لكن كلارا لم تكن تُصغي تمامًا. كانت عيناها مشتتتين، تنزلقان نحو الزاوية... نحو اسم معين لم يُغادر قلبها.

كلارا، بصوت ناعم مشوّش :  

"كلاود ، ماذا عنه؟ هل هو معتقل؟"

ماريان :

 "فرّ من منزله ليلة المداهمة. الشرطة لا تزال تبحث عنه، حتى الان يُعتبر فاراً من العدالة."

ضربات خفيفة في صدرها، ليست خوفًا بل شيء أقرب للتوق المعذّب.  

أومأت قليلًا، لكن لم تقل شيئًا.

تركتها المحامية اخيراً ، وانفض الموظفون من حولها لتبقى وحيدة وسط مكتب والدها الضخم . 

وقفت أمام المكتب، تُرتّب بعض الأوراق بيديها وهي تحاول أن تستعيد تركيزها.  

وفجأة... جاء طرق خفيفاً على الباب .

كلارا بكل هدوء وهي تضع خصلات خلف اذنها : " تفضل " 

كانت تلك مادلين ، سكرتيرة والداها ، امراءة ممتلئة قليلا ، ذو نظارات وطول متوسط.

قالت : " لذيك زائر "

أجابت كلارا بشيء من الحيرة : " ادخليه " 

اختفت السكرتيرة اللحظات ثم دخلت أيلا بهدوء من الباب .

تقدمت نحو كلارا و ومدت يدها قائلة : " مرحبا انا أيلا " 

صافحتها كلارا و اجابت : " مرحبا ..... هل اعرفك ؟ " 

ردت أيلا : " لا عزيزتي ، لكنني اعرفك ، أنت ابنت جوليان اليس كذلك ؟ " 

اجابت كلارا : " أجل " وهي تظن أنها إحدى معارف والدها ، لكن أيلا فجأتها بقول : "انا من طرف كلاود."

نبض قلبها وشعرت بسخونة تتصاعد الى حنجرتها من صدى اسمه .

قالت بحماس غير محسوب : "هل هو بخير؟ هل تعرفين مكانه؟" لكن سرعان ماعدلت نبرتها عندما رات تعابير الدهشة على وجه أيلا.

أيلا، بنبرة فيها شيء من الذهول :

"هل انتي....."

قاطعتها كلارا للتهرب من سؤالها : " هل هو بخير ؟ " 

اجابت ايلا بتهور وقد التقطت ماتخفيه كلارا : " إذا كنتي تهتمين لامره ، فيمكنك مساعدته ، أنه متهم بقضايا ثقيلة ، اولهم أختطافك ، يمكنك أن تُدلي بشهادة تبرئه ، و تُقنعي القاضي أن كلاود لم يؤديك " 

بدت الكلمة الأخيرة مشبعة بالقلق رغم حياد نبرت أيلا

 .توقفت كلارا للحظة، تُعيد ترتيب أفكارها بصمت.

ثم همست بصوت منخفض لكنه حاد بفضوله :  

"وماذا يجب ان اقول ؟ "

تلك الكلمة التي احتاجتها أيلا ، كان من الواضح ان كلارا ستفعل اي شيء من اجل إنقاد كلاود .


                            ---------


خرجت أيلا من شركة ميلاني وهي تمسك بهاتفها بيد مرتجفة من الحماس، بينما عيناها تلمعان.

قال أيلا، بصوت مليء بالحيوية : 

"فيكتور! لقد وافقت! أقسم لك، كان الامر مثل اخد حلوة من يد طفل ، الفتاة متيممة بالفعل باكلاود و وافقت أن تشهد لصالحه في المحكمة !"

 جاء صوت فيكتور، خشنًا كعادته :

"هذا جيد ! ، هل كانت الشرطة حولها ؟ "

أيلا :

" لا كانت وحدها في المكتب "

 غيرت الموضوع فجأة : 

"بالمناسبة... الحفل الليلة، ما مناسبته ؟ ، لم تخبرني بذلك البارحة "

اخدت تنظر الى الخاتم الذي يلمع في اصبعها وهي تنتظر رده ، أنتبتها نشوة وهي تفكر بأن فيكتور قد يعترف لها بشيء 

لكنه رد بهدوء : " فقط كوني هناك "

تنهدت ايلا وهي تغلق الهاتف ، لكن حماسها لم يخف ، فربما يفاجاءها بالحفل ؟ ، ربما يعلن عن وريث جديد او يعلن عن انتهاء زواج قديم .

                         ------- 

سكن الليل الارجاء وبسط ظلامه في الانحاء .

في قاعة احتفلات قصر فيكتور ، تزينت الجدران بالرخام الأسود، وتدلت الثريات الذهبية، أقيم فيها الحفل الذي لا يشبه أي حفل تقليدي.  

 لم يكن ضيوفه من أصحاب القلوب الرقيقة، بل رجال بوجوه مشدودة، و نساء بأثواب فاخرة .

كانت الموسيقى بطيئة، ، و الشموع موزعة بدقة، أما الزهور فقد كانت موزعة على الطاولات ، وقد تعمد فيكتور جعلها باللون الاسود.

دخل فيكتور أولًا، ببدلته السوداء، ، و تبعته هيلين ، ترتدي فستانًا احمر أنيقًا، و شعرها الاسود مرفوع بأحكام، كانت تحمل طفلتها بين ذراعيها ، وملامحها تبدوا مشدودة.  

كان والداها يقفان في الزاوية ، مع مجموعة من السادة ، ينظران إليها بتوقعات صارمة، خاصة والدتها التي لا تقبل أقل من الكمال.

أرسلت هيلين ابتسامة مصطنعة لوالدتها ، ثم همست لفيكتور:  

"لا تنسَ دورك... ."  

فرد دون أن ينظر إليها:  

"وأنتِ لا تنسي من خلع الخاتم أولًا."

في زاوية شبه معزولة، وقف لوكاس، يتكى على احدى الطاولات ، يرتدي ثيابه العادية ، و يراقب الحفل بعينين ضجرتين .

اقتربت منه صوفيا، ، التي كانت ترتدي فستاناً أبيض بسيطاً يضفي عليها براءة لا تتماشى مع أجواء الحفل. 

قالت له بصوت خافت:  

"لماذا لم ترتدي ثياب رسمية ؟ ، انه ذكرى زواج والدك ! "

ابتسم لوكاس ، ثم نظر إليها و رد على غير سؤالها :  

"هذه اول مرة احضر فيها حفل في حياتي ."

علمت صوفيا انها لن تفهمه ابدا ، فحولت نظرها الى عمها الذي يحمل طفلته مع هيلين وبجانبه كلا من السيدة اغاثا والسيد بورك ومجموعة من الضيوف هنا وهنك .

اسرت لنفسها :  

" كنت اظن انها سيتطلقان ، لما يقيمان حفلاً لذكرى زواجهما ؟ "

في تلك اللحظة ، وقعت عينها على أيلا التي تدخل الى الحفل ، كانت خطواتها مترددة، لكنها أنيقة.  

فستانها الأسود ينساب خلفها كظلٍ ثقيل بينما يكشف عن ساقيها من الامام ، كانت عيناها تبحثان عن وجه مألوف وسط الحضور.  

علقت صوفيا : " اليست هذه والدتك ؟ " 

اخد لوكاس نظرت اليها وانصدم هو الاخر .

همس : " هذه مزحة..... "

كانت ايلا تتوجه الى جهة فيكتور وضيوفه ، تأهب لوكاس دون حراك املا انها ستتوقف من تلقى نفسها لكنه ترك الطاولة في نهاية و اخد يسرع نحوها ....

حاول انقادها من احرج نفسها لكن الاوان كان قد فات ، فأيلا كانت قد لمست كتف فيكتور وجعلته يستدير اليها.

نظر فيكتور الى ايلا للحظات ثم لمح لوكاس الذي يلهث خلفها مباشرتاً .

مرر ابنته الى السيدة اغاثا وقال وهو يسحب لوكاس الى وسط : " احب ان اعرفك على ابني ، لوكاس ... "

كان الضيوف يعرفون بالامر لكن كسى شيئا من الحيرة وجه العجوزان فهما لا يعرفان ابن اخر لفيكتور .

تابع وهو يسحب ايلا هذه المرة : " وهذه والدته ، أيلا "

كانت تلك صدمة للجميع ، والدة ابنه الغير شرعي في ذكرى زواجه ؟ ، نظرت العجوز بنظرات قاسية الى أبنتها. 

  امتصت هيلين تلك النظرات وحولتها الى ايلا ، كانت ايلا قد رفعت يدها لترتب خصلات شعرها ، فانعكس الضوء على خاتمها، لمع كقطرة لؤلؤ على يدها.

وبطبع هيلين لمحت الوميض.  

تجمدت نظرتها، ثم انزلقت ببطء نحو يد أيلا.  

ذلك الخاتم... إنه خاتم زفافها !

تملكها شيئا من الغيظ ، وحاولت جاهدتاً الا تظهره ، حنى لمحت إبتسامة خفيفة على طرف شفتيه فيكتور ، ولاحظت نظرات الحضور تتجه نحوها، كأن الجميع يقرأ القصة من دون أن تُقال.  

اقتربت والدتها منها، وهمست بنبرة صارمة:

"هل هذه هي الصورة التي أردتِ أن نراها؟ زوجك السابق يحضر عشيقته، وبيدها خاتمك؟"

انهار شيء في داخل هيلين، كبريائها ربما ، لكنها شدّت على فكّها، ورسمت ابتسامة متماسكة، ثم قالت:

"على الأقل، أنا من اختار أن أخلعه."

لكن صوت والدتها جاء كصفعة:

"وهذا ما جعلها تغلبك "

بينما الجميع يتبادلون الهمسات ، همس لوكاس ايضا لوالدته ، : " اريد ان اتكلم معك ، تعالي معي للحظه " 

اعطت ايلا ابتسامة سرور لفيكتور ثم تبعت لوكاس الى خارج قاعة الحفل ، حيث رواق فارغ يقود الى الخارج .

 لوكاس :

" هل فقدتي عقلك ؟ ، مالذي تفعلنه هنا ؟ ، هل تعلمين ما يحتفلون به الليلة؟ " 

علت الحيرة وجه ايلا فتابع لوكاس : " إنها ذكرى زواج أبي من هيلين."

توقفت أيلا عن التنفس للحظة، شعرت وكأن الأرض تميل تحت قدميها.  

تابع : " واتعرفين من ؤلائك الاتنان الذان قدمنا اليهم للتو ؟ ، انهما والدا هيلين ! " 

زادت الصدمة عليها حتى انها كادت تغقد توازنها لكنها تماسكت ، فهناك شيء تتشبت به ، نظرت الى يدها، ودافعت : " لكنه اعطاني الخاتم " 

لوكاس : " خاتم ؟ " 

امسك بيدها بتهور وتامل الخاتم في اصبعها ، كان قد لمحه سابقا بسبب لمعانه القوي 

قال بصدمة : " هذا خاتم زوجته ! " نظر اليه ثم اضاف " هل هو من أعطاك أياه ؟!!! " 

انصدمت ايلا اكثر ، وبدات الدكوع تنهر منها دون وعي ، حتى ان لوكاس ندم على كلامه للتو .

قال مترددا : " امي ، امي ، الامر لايستحق.... " 

اصدرت ايلا شهقة جعلت لوكاس يتراجع الى الخلف ، ثم كورت نفسها في الارض واخدت تبكي بشدة .

  لوكاس : " امي.... " 

أستوعبت ايلا انها تقف امام إبنها ، فنهضت واخدت تمسح الدموع من وجهها محاولتاً ان تكون قوية .

قالت وهي تتحمل نظرت لوكاس المندهشة لها : " انا بخير ، انا بخير ، فقط..... " لكنها اخدت شهقة اخرى ولم تصتطع المتابعة 

اخد لوكاس بيدها وسحبها ليحتضنها 

قالت : " ظننته اختارني ! ، طننت انه لا يزال يحبني ! " 

اخد لوكاس يربت على ظهرها بينما تتابع ايلا العواء : " كيف فعل ذلك بي ؟ ، كيف فرط بي هكذا ؟!!!! " 

لوكاس : " انه مجرد وغد ، اتريدين أن اتكلـ.... " 

ابتعدت عنه قائلة : " لا ، لا ، إياك ..... " 

تابعت بعد ان مسحت خليط المخاط والدموع : " انا ساتعامل مع الامر بنفسي ، إياك ان تتدخل "

اخرجت الخاتم من اصبعاها وضعته في كف لوكاس قائلة: "  فقط اعد له هذا الخاتم "

                         -------



تعليقات

المشاركات الشائعة