أسلوب رجال المافيا ٢٠
[20]
[كاذبة! إنها تكذب!]
....
كانت كلارا تقف في غرفة الانتظار داخل مبنى المحكمة، تتجول بخطوات متوترة بين الجدران ، وعيناها لا تفارقان الطاولة التي وُضع عليها الخطاب الذي أعدته لها محاميتاها.
الأوراق مرتبة بعناية، لكن قلبها لم يكن كذلك. كل شيء فيها كان مضطربًا.
فجأة، طرق خفيف على الباب قطع سيل أفكارها. انفتح الباب ببطء، ودخلت أيلا . كان شعرها غير مرتب، وملامح وجهها منهكة، كأنها لم تنم منذ أيام. نظرت إليها كلارا، و شعرت أن هناك شيئًا غير طبيعي، لكنها التزمت الصمت. لم يكن الوقت مناسبًا للأسئلة.
اقتربت أيلا ، وضعت خطابًا آخر أمام كلارا، ثم قالت:
"اقرئي هذا بدلًا من ذاك."
لم تقل أكثر، ولم تنتظر ردًا. خرجت كما دخلت، تاركة خلفها غموضًا .
استلمت كلارا الخطاب و ما ان قرات بضع فقرات حتى جاءت المحامية منادية : " انسة كلارا ، حان وقت الجلسة "
ملامح مرتبكة علت وجه كلارا ، واخدت تسير بخطى مترددة بجانب محاميتها نحو قاعة المحكمة.
كانت تحمل خطابين في يدها : أحدهما رسمي، والآخر غامض. قلبها ينبض بقوة، كأن كل خطوة تقربها من انفجار داخلي.
ما المكتوب فيه ؟ ، كيف سادلي بشيء لم اقراءه ؟ ، ايمكنني العودة الى غرفة قليلاً ؟
لم تشعر بنفسها الا وقد دخلت القاعة .
كانت مكتظة بالحضور. و على الجانب الآخر منها ، جلس إيثان مكبل اليدين، وإلى جواره محاميه. في الصفوف الخلفية، كانت هيلين ووالدها يراقبان المشهد. أما كلارا، فجلست في مكانها المخصص، وإلى جوارها محاميتاها والمحقق دانيال.
ناهيك عن جهاز التنصت الصغير المعلق بسترة احد الحرس الذي ينقل الاخبار .
بدأ القاضي الجلسة تلا التهم الموجهة ثم طلب من كلارا الإدلاء بشهادتها.
وقفت، رفعت الأوراق، وترددت للحظة. ثم اختارت الخطاب الثاني، ذاك الذي سلمته لها أيلا. بدأت تقرأ بصوت مرتجف:
"أشكر المحكمة على إتاحة الفرصة لي للتحدث ، واشكر كل من اهتم بسماع صوتي ، أود أن أوضح بعض الالتباسات التي حدثت أثناء التحقيق فكلاود ليس المشتبه به في قضية قتل عائلتي..."
توقفت، عضت على شفتاها من فرض التوتر، ثم تابعت:
"ما بيني وبين كلاود ليس جريمة ، بل قصة حب، لم يكن يومًا مصدر أذى لي أو لعائلتي. صحيح أن الأمور كانت معقدة في البداية، لكن زواجنا كان عن حب متبادل."
فكرت كلارا ان هذا الجزء بدات سيزعج احدهم ، لكنها تابعت القراءة وكان الجزء الأصعب. توقفت كلارا عندما رات الكلمات ، ترددت، وطال صمتها حتى طلب منها القاضي المتابعة باشارة من يده .
بلعت رقيها وتابعت : " أنا وكلاود ننتظر مولودًا جديدًا ، و لا أريد أن يُلصق بابني تهمة لم يرتكبها والده. أنا... أنا أحبه."
في تلك اللحظة ، ابعد فيكتور جهاز الاستماع من اذنه واخد نظرة الى لوكاس الذي وكله بكتابة الخطاب ، فهز الأخير رأسه مؤكدًا :
"أنا لم أكتب هذا."
فكر فيكتورا ملياً ، ثم أدرك الفاعل ، أيلا هي من عدلت الخطاب ! ، فهذه الكلمات تبدوا مثلها تماماً .
ربما لاحظت جافاف الخطاب من العاطفة واردت اضافة لمسة من الرومانسية ، حتى انها صعبة القراءة على كلارا بسبب تلك الشخابيط الكثيرة لكن بالفعل غير الكثير من الخطاب، كانت كلماتها نابضة بالعاطفة، صادقة، مؤثرة ، ولا يصدر إلا من عاشقة .
حتى القاضي بدا متأثرًا، وكلارا كانت تحمر خجلًا مع كل جملة تنطق بها.
تابعت كلارا وهي تتمالك نفسها من شدة الخجل : " الشخص الوحيد الذي اساء ألي هو إيثان امسكني بعنف وسحبني الى الخارج ، كما انه حاول سرقت املاك عائلتي ولا استبعد ان يكون قاتلهم "
في البداية كان ايثان يسخر من خطابها حتى وصلت الى تلك النقطة ، تغيرت تعابير من الساخرة الى دهشة ثم الى صدمة ....
،انفجر إيثان غاضبًا، نهض من مكانه، وصرخ:
"كاذبة! إنها تكذب!"
تدخلت الشرطة، هدأته بالقوة، وضرب القاضي بمطرقته ليعيد النظام.
لكن دون فائدة فقد اخد الحضور يتهامسون وإيثان يتابع الصراخ
أما دانيال، فقد نظر إلى كلارا بحدة، تقدم منها، وسحب الخطاب من يدها واخد يقراه ، كانت أنفاسها ترتجف وهي تنظر الى عينيه تتحركان على الكلمات ، شحب وجهها ، و كأنها على وشك الانهيار.
-----------
بعد المحكمة في غرفة الاستجواب ......
جلس دانيال ، جلسة غير احترافية على معقدة وبيده الخطبان ، ثم رمهما اللى ناحية كلارا ، وبدا برمي الاسئلة
" لماذا تمتلكين خطابين؟ ، ومن كتب الثاني؟ ، ولماذا كل هذه التعديلات بخط يدك؟ "
تابع : " قلتي إن زواجكما كان عن حب ، بينما في التحقيق قلتِ إنه أجبرك على توقيع العقد.
هل تظنين أن المحكمة لعبة؟! "
عدل جلسته ونظر أليها ، مباشرتاً في عينيها
قال بنبرة تهديدًا :
كلارا ، إن كنتِ متواطئة مع أولئك المجرمين، فاقسم لك ..... "
قاطعته كلارا : " اقسم لك انني احبه ! "
كانت الكلمات قد خرجت منها بعفوية ربما بسبب ضغطة عليها ، كانت هذه الكلمات الوحيدة التي كانت متاكدة من صحتها.
تنفست بعمق، وهدات من روعها ثم تابعت :
كنت خائفة... خجلت أن أقول الحقيقة أثناء التحقيق.
حقيقة انني أحب كلاود.
الخطاب الثاني هو خطابي الحقيقي ، لكنني لم أستطع حتى أن أخبر محاميتي بذلك.
و التعديلات كانت لحظات توتر، لم أكن أعرف كيف أشرح مشاعري."
صمت دانيال ، تراجع قليلاً ، وتكئ بمرفقه على الطاولة، وبدات ملامحه تصبح اكثر تعاطفاً .
قال بصوت ابرد من الصقيع :
"أريد تقريرًا طبيًا يؤكد حملك خلال ٢٤ ساعة .
وإلا... ستُحبسين بتهمة الكذب على المحكمة."
---------
في المساء ، بعد أن انفضت المحاكمة ، كانت أيلا جاثمة في غرفتها داخل منزل فيكتور المائي، تغرق في بحر من المناديل والدموع، كأن الحزن نصب خيمته في صدرها.
رنّ جرس الباب، فقطعت أيلا طقوس انكسارها بضربة غاضبة على الطاولة.
تمتمت وهي تلف رداء النوم حول جسدها :
"تبًا... من هذا الذي يجرؤ على مقاطعة حدادي؟"
نزلت الدرج وهي تصدر الشتائم ، متوعدتاً الزائر بوابل من العتاب.
و عندما وصلت الى الباب ، فتحته بلا اكتراث ، لكن سرعان ما علت الدهشة وجهها بل صدمة عاتيه برؤية كاسر قلبها .
تراجعت خطوة و انفتح شيءٌ يسير من فمها .
ثم انقضت على الباب لتحاول إغلاقه ، لكن صوت فيكتور اخترقها:
"أيلا ! ، ما الذي تفعلينه ؟! هل فقدتِ عقلك؟!"
صرخت وهي تدفع الباب بكل ما تبقى من قوتها:
"ارحل! لا أريد رؤية وجهك!"
لكنه دفع الباب بقوة، فسقطت أيلا أرضًا، ليقف فوقها بطوله وعرضه.
"هل قلتِ إنك لا تريدين رؤية وجهي؟"
نهضت لتصرخ بقوة :
" أجل! "
انهمرت دموعها دون إذن ، واخدت تمسحها بارتباك ، تقدم فيكتور خطواتان بينما تراجعت أيلا الى ناحية الجدار
سأل : " أيلا ، مالذي يجري ؟ ، لما تبكين ؟ "
صاحت : "أنت السبب يا فيكتور ! "
تابعت بصوتٍ منهار :
دعوتني لذكرى زواجك من هيلين، وأعطيتني خاتمها!
كيف فعلت ذلك ؟!
لم أنم ثلاث ليالٍ من شدة البكاء !"
ثم تقوقعت في زاوية الجدار، وانفجرت بالبكاء كعادتها ، وتركت فيكتور في دهشة مما سمعه.
تمالك دهشته ، ثم قال :
" ألهذا أعدتِ الخاتم؟"
نهضت أيلا ، و واجهته بصوتٍ يقطر وجعًا :
" اهذا كل مايهمك ؟! ، إنه خاتم هيلين! ، لم تكلف نفسك حتى عناء شراء واحد لي! "
تابعت بغضبٍ ناري :
"اغرب عن وجهي فيكتور ، أنا أكرهك أكثر من أي شيء في هذه الحياة ! "
قال وهو يحاول تصديقها :
"أنت لا تعنينها."
نظرت إليه نظرة تخترق الروح وتهورت بقول :
"بل أعنيها ! ، و لم أكن جادة هكذا في حياتي قط."
تأمل نظرتها تلك، كانت قوية، حادة حتى أنها لم ترمش ولو للحظة.
نظرة لا تُشبه أيلا التي يعرفها، بل تُشبه من قررت أن تُغلق الباب على قلبها.
أرخى فيكتور دفاعه، ... احترامًا لقرارها ، فما كان ليجبر احداً عليه.....
وضع يده في جيبه ، و فكّر ، ربما مرتين او ثلاث قبل ان يتكلم ، ثم قال بصوتٍ ثابت :
"حسنًا..... أعدك ألا تري وجهي ."
تمالكتها شهقه ، لكنها كتمتها.
تابع وهو يستدير نحو الباب :
"وعلى عكسك يا أيلا... أنا أفي بوعودي."
تمالكتها شهقة أخرى، أقوى من اختها، حتى كادت تفضحها.
نظرت إليه وهو يبتعد، وفكرت :
"لا...لا ..... لم أعنها... ليوقفه أحد..."
وكأن أمنيتها استُجيبت، وصل لوكاس في تلك اللحظة.
قال، متفاجئًا:
"أوه..."
ثم نظر إلى والدته، فقرأ ماحدق في عينيها المتورمة.
أراد أن يتكلم، لكنها أشارت له بالصمت.
قال لوالده، محاولًا ان يبدو على طبيعته :
"هل أنت مغادر؟ سيارتي نفد منها الوقود، أحتاج توصيلة."
فرحت أيلا ، على الأقل ستمتلك بضع دقائق -وربما اطول اذا ماطالت لوكاس- لتتراجع عن قرارها.
رد فيكتور وهو يحك زاوية عينيه من التعب:
"حسنًا، أسرع."
كان من المفترض أن تكون زيارة عشاء خفيفة، لكن أيلا ماطلت بكذبتها ، قالت إن العشاء لم يُعد بعد، وأخذت نصف ساعة تحضر ما كان جاهزًا.
ثم أعدت قهوة لشخصين.
فتحت أدراج المطبخ، الواحد تلو الاخر ، تبحث عنه بعينيها المرتبكتان حتى وجدته.
قالت : " ها هو ! "
ثم وضعت المسحوق في أحد الكوبين، وتوجهت إلى الخارج، حيث يقف لوكاس وفيكتور .
قال لوكاس وهو يأخذ كوبه:
" توقفنا من أجل قهوة؟"
قالت أيلا:
"لكي تبقى مستيقظًا، عزيزي."
ثم مدت الكوب الثاني لفيكتور، كانت خائفة من ان يرفضها ، لكنه اخدها بخفة ، وشرب رشفتين
علّق :
" مذاقها غريب ؟ "
قال لوكاس بعد رشفة:
" عاديٌ جدًا."
فتح فيكتور غطاء الكوب، ثم نظر إلى أيلا ، وسأل:
"هل وضعتي شيئاً فيه؟"
رد عليه لوكاس، مستنكرًا:
"أتمزح؟ لما قد تضع أمي شيئًا في قهوتك؟"
لكن فيكتور تجاهله، و تابع التحديق في أيلا ، التي لم تجرؤ على النظر إليه.
ثم بدأ يسعل...
وسقط مغشيًا عليه.
تعليقات
إرسال تعليق