كان يا مكان قلب منهار ٤
الجزء الأول
قصة إيفانجلين فوكس
[الفصل الرابع]
تحولت إيفانجلين الى حجر....
لكنها على الأقل، كانت لا تزال تملك القدرة على التفكير.
رغم أن هذه القدرة كانت تؤلمها ، وغالبًا ما يحدث ذلك بعد أيام طويلة من الفراغ، حين تتخيل أنها بدأت تشعر بشيء.
لكن ذلك الشيء الذي شعرت به لم يكن أبدًا ما تريده.....
لم تكن دفئًا على بشرتها، أو وخزًا في أصابع قدميها، أو لمسة من شخص آخر تطمئنها بأنها ليست وحيدة تمامًا في هذا العالم. بل كان غالبًا سهمًا من الحزن، أو وخزة من الندم ماتستطيع ان تشعر به.
والندم كان الأسوأ.
الندم كان بطعم مرّ وحامض، وكان قريبًا جدًا من الحقيقة لدرجة أنها كانت تقاوم الاستسلام له. كانت تحارب فكرة أن "جاك" كان محقًا حين قال إنه كان عليها أن تترك الكأس، وتدع الآخرين يبقون حجارة، وتلعب دور الضحية.
لكن جاك كان مخطئًا.
لقد فعلت الشيء الصحيح.
سيأتي أحدهم لإنقاذها.
وأحيانًا، حين تكون في قمة الأمل، كانت إيفانجلين تتخيل أن جاك نفسه قد يأتي لينقذها.
لكن، رغم من أملها، كانت تعرف أن أمير القلوب ليس منقذًا. بل هو الشخص الذي يحتاج الآخرون إلى من ينقذهم منه.
واخيرا... شعرت إيفانجلين بشيء لم يكن حزنًا ولا ندمًا........
شعرت بشيء يشبه الضوء يلامس بشرتها.
بشرتها ؟؟؟؟
اخيرا إيفانجلين استطاعت أن تشعر ببشرتها !
لم تكن تشعر بأي شيء، ولا تعرف كم من الوقت مضى على فقدنها الوعي .
لقد قضت وقتًا طويلًا في فراغ كامل، لكن الآن أصبحت تشعر بكل شيء ، جفونها، كاحليها، مرفقيها، شفتيها، ساقيها، عظامها، بشرتها، رئتيها، قلبها، شعرها، عروقها، ركبتيها، شحمة أذنيها، رقبتها،و صدرها.
كانت ترتجف من ذقنها حتى أصابع قدميها. و جسدها مغطى بالعرق، عرقاً باردًا ورطبًا يشعرها بالحياة.
لقد عادت للحياة !
"مرحبًا بعودتك."
ذراع قوية كانت تساعد إيفانجلين على الجلوس بينما كانت ساقاها المرتعشتان تحاولان التعود على كونها جسدًا حيًا من عضلات وعظام.
ثم بدأت رؤيتها تتضح.
ربما لأنها لم ترَ وجهًا منذ وقت طويل، بدا الشاب الذي يحملها وسيمًا بشكل مذهل.
بشرته بنية داكنة، عيناه محاطة برموش كثيفة، وابتسامته توحي بأنه يملك الكثير من السحر والجاذبية.
كان يرتدي عباءة خضراء فخمة مزينة بأوراق نحاسية لامعة، مثل وجهه تمامًا.
سألها : "هل تستطيعين الكلام؟" .
"لماذا؟"
سعلت إيفانجلين لتزيل بعض الغبار من حلقها ، ثم تابعت : "لماذا تبدو وكأنك ساحر من الغابة؟"
شعرت إيفانجلين بالحرج فور أن خرجت الكلمات من فمها.
من الواضح أن حواسها لم تستعد السيطرة الكاملة بعد، يبدو أن فلتر الكلام في عقلها لا يعمل كما يجب.
هذا الغريب أنقذها، وكانت تأمل ألا تكون قد أهانته للتو .
لحسن الحظ، اتسعت ابتسامة الرجل الساحرة.
"ممتاز. أحيانًا لا يعود الصوت مباشرة. الآن أخبريني باسمك الكامل، عزيزتي. أريد التأكد من أن ذاكرتك سليمة قبل أن أسمح لك بالرحيل."
"الرحيل إلى أين؟"
حاولت إيفانجلين أن تستوعب المكان من حولها ، بدا وكأنه مختبر.
الطاولات والرفوف كانت مليئة بقوارير تغلي وقدور تفور، و تنتشر في الجو رائحة تشبه الراتنج.
هذا ليس حديقة والدتها، الشيء الوحيد المألوف في الغرفة كان شعار الإمبراطورية الميريدية المرسوم على أحد الجدران الحجرية.
"أين نحن؟ وكم من الوقت كنت تمثالًا؟"
"حوالي ستة أسابيع فقط. أنا صانع الجرعات في القصر، وأنتِ الآن في مختبري الرائع. لكن يمكنكِ المغادرة بمجرد أن تخبريني باسمك."
أخذت إيفانجلين لحظة لتجمع أفكارها. ستة أسابيع تعني أنهم في منتصف موسم الحر. ليس وقتًا كارثيًا. كان يمكن أن تكون ست سنوات... أو ستين.
لكن إن كانت فقط ستة أسابيع، لماذا لم يأتِ أحد لاستقبالها؟
كانت تعرف أن زوجة أبيها لا تهتم بها، ولم تكن قريبة من أختها غير الشقيقة، لكنها أنقذت حياتهم!
ولوك... لم تكن تريد أن تفكر لماذا لم يكن لوك هناك. هل من الممكن أن لا أحد يعلم أنها عادت للحياة؟
"أنا إيفانجلين فوكس."
قال صانع الجرعات وهو يبعد ذراعه عن خصرها ويقوم بإيماءة أنيقة : "يمكنكِ مناداتي بـ 'بويسون " .
وعندها، عرفت إيفانجلين فورًا من يكون هذا الشاب. كان يجب أن تدرك ذلك من البداية. لقد بدا تمامًا مثل صورته في بطاقة من مجموعة "أوراق الاساطير ". كان يرتدي عباءة طويلة متدفقة، وخواتم مرصعة بالجواهر في كل أصابعه ، ومن الواضح أنه يعمل في تحضير الجرعات.
"بويسون" لم يكن مجرد اسم، بل هو "مالك دار السموم " الحقيقي. أحد الـ"الاساطير" ، مثل "جاك".
قالت إيفانجلين بسرعة : "كنت أظن أن اصحاب دار السموم اختفوا"، .
"لقد عدنا مؤخرًا بظهور كبير، لكن هذه القصة ليست عن ذلك."
تجمد وجه بويسون فجأة، وكأن ملامحه تحذرها من أن هذا موضوع لا يريد الحديث عنه.
ورغم أنها كانت لا تزال تشعر بالدوار، إلا أن إيفانجلين كانت ذكية بما يكفي لتتوقف عن السؤال، رغم أن هذا الكشف أثار في ذهنها الكثير من التساؤلات.
سمعة بويسون لم تكن مرعبة مثل جاك. حسب الأساطير، هو لا يؤذي الناس مباشرة، لكنه يصنع مشروبات سامة، وجرعات غريبة، وسوائل عجيبة يستخدمها الآخرون أحيانًا في أمور فظيعة.
نظرت إيفانجلين إلى الكأس التي لا تزال في يدها.
عليها عبارة:
"سم – لا تشربني"
"هل تمانعين إن أخذتها؟" قال بويسون وهو يأخذ الكأس من يدها بواحدة من يديه المرصعة بالجواهر.
تراجعت إيفانجلين خطوة بحذر.
"لماذا أنا هنا؟ هل طلب جاك منك مساعدتي؟"
ضحك بويسون، وعاد وجهه ليبدو ودودًا من جديد.
"آسف يا عزيزتي، لكن جاك على الأرجح نسي أمرك تمامًا. لقد تورط في مشاكل خلال الأسابيع التي كنتِ فيها حجرًا. أؤكد لكِ أنه لن يعود إلى المدينة."
كانت إيفانجلين تعلم أنه لا ينبغي لها أن تهتم، فبعد لقائها الأخير مع جاك، لم تكن تريد رؤيته مجددًا أو أن تعطيه فرصة ليطالب بالدين الذي تدين له به.
لكن جاك لم يكن من النوع الذي يهرب. وكان يُقال إنه لا يمكن قتله... إلا إذا كانت تلك الأسطورة خاطئة، والاساطير ليسوا خالدين تمامًا؟
سألت : "ما نوع المشاكل التي وقع فيها جاك؟" .
ضغط بويسون على كتفها بطريقة جعلتها تشعر أن كلمة "مشاكل" لا تصف ما حدث ...
"إذا كنتِ تملكين أي حس للبقاء، فانسي أمره."
قالت إيفانجلين : "لا تقلق ، لا رغبة لي في رؤية جاك مرة أخرى أبدًا."
رفع بويسون حاجبه بشك.
"قد تقولين ذلك، لكن بمجرد أن تدخلي عالمنا، يصبح من شبه المستحيل العودة إلى الحياة العادية. معظمنا غادر هذه المدينة، لذا من غير المرجح أن تصادفي اسطورياً آخر بالصدفة. لكن الآن بعد أن تذوقتِ طعم عالمنا، ستبدأ حياتكِ في فقدان نكهتها. ستنجذبين إلينا. حتى لو لم ترغبي في رؤية جاك مجددًا، ستنجذبين نحوه حتى تكملي الصفقة التي عقدتها معه. لكن إن كنتِ تريدين فرصة للسعادة، قاومي هذا الانجذاب—جاك لن يقودكِ إلا إلى الهلاك."
تقلصت شفتا إيفانجلين في تعبير عن الاستياء. لم تكن تختلف معه، لكنها لم تفهم لماذا يُحذرها أحد الاساطير بهذه الطريقة.
تنهد بويسون : "لن أفهم البشر أبدًا ، كلكم ترحبون بأكاذيبنا، لكن لا يعجبكم عندما نقول الحقيقة."
"ربما من الصعب تصديق أن اسطورياً يريد مساعدة إنسان بدافع طيب؟"
قال بويسون وهو يرتشف من كأسه : "وماذا لو أخبرتكِ أنني أفعل ذلك بدافع شخصي؟" .
تابع : "فاليندا هي موطني. لا أريد أن أُجبر على الهروب إلى الشمال بسبب تصرفات طائشة مثل الآخرين—لا أحب ما تفعله السحر هناك بقدراتي، كما أن الجو بارد جدًا. لذا أحاول أن أكون مفيدًا لزائري داري. والآن، هيا، هناك من ينتظرونكِ في القاعة الكبرى."
وجّهها بويسون نحو درج حلزوني، وهناك شمّت إيفانجلين رائحة شهية للغاية: كعكة السكر الوردي.
قرقرت معدتها. لم تكن تدرك كم كانت جائعة.
وبعد أن شكرت بويسون، بدأت تصعد الدرج.
في غضون ثوانٍ، أصبحت رائحة الهواء أكثر حلاوة، والعالم من حولها أكثر إشراقًا ، وكأن حياتها قبل هذه اللحظة كانت باهتة.
بدت القاعة الكبرى وكأنها مصنوعة من الضوء والبريق؛ ثريات ذهبية على شكل تيجان تتدلى فوق طاولات مزخرفة، وأعواد موسيقية، وبيانو ضخم بمفاتيح ذهبية.
لكن ما جعل إيفانجلين تنسى كيف تتنفس هو رؤية كل هؤلاء الناس.
الكثير من الناس. جميعهم يصفقون ويبتسمون وينظرون إليها بفرح.
كانت إيفانجلين على علاقة طيبة مع كثيرين من الزار الى متجر والدها للتحف الغريبة، ويبدو أن كل واحد منهم كان هناك للترحيب بها.
كان ذلك مؤثرًا ودافئًا، لكنه أيضًا بدا غريبًا بعض الشيء أن هذا العدد الكبير حضر من أجلها.
نادت السيدة مالوري، التي كانت تجمع خرائط لأماكن خيالية : "مرحبًا يا جميلة! ، دي الكثير لأخبركِ به عن حفيدي."
ردت إيفانجلين : "لا أستطيع الانتظار لسماع ذلك" ، قبل أن تصافح رجلًا كان دائمًا يطلب كتب طبخ نادرة من دول بعيدة.
!" صاحت الليدي فين، التي كانت تحب أواني الحبر المتلاشي : "أنا فخورة بكِ.
بعد أسابيع من الفراغ التام، وجدت إيفانجلين نفسها محاطة بالأحضان والقبلات على الخدين.
ومع ذلك، شعرت بانقباض في قلبها حين لم تجد "لوك" بين الحضور.
كانت أختها غير الشقيقة تقف على جانب القاعة، ولوك لم يكن معها أيضًا.
لكن إيفانجلين لم تشعر بالراحة كما كانت تتوقع لعدم رؤيتهما معًا.
هل لم يعلم لوك بهذا الحفل؟ أم أن هناك سببًا آخر جعله يختار عدم الحضور؟
كانت تعابير وجه ماريسول صعبة القراءة. كانت تتمايل قليلًا وتحاول إبعاد ذبابة عن كعكة السكر الوردي اللامعة التي تحملها.
لكن ما إن رأت إيفانجلين، حتى اتسعت ابتسامتها لتصبح مشرقة مثل الكعكة التي في يدها.
كانت أغنيس تكره حب ابنتها ماريسول للخبز، فهي كانت تريد لها مستقبلًا عظيمًا، وكانت تقول إن الطهي هواية بسيطة لا تليق بها. لكن إيفانجلين تساءلت إن كانت أغنيس قد سمحت لماريسول بإعداد هذه الحلوى خصيصًا لهذا اليوم.
كانت الكعكة مكونة من أربع طبقات وردية منفوشة، وبينها طبقات من كريمة السكر ، وزُينت بشريط من الزينة، وبطاقة كبيرة من بسكويت الزبدة كتب عليها:
"مرحبًا بعودتك، أختي!"
شعرت إيفانجلين بثقل من الذنب امتزج بعدم ارتياحها. لم تكن تتوقع مثل هذه اللفتة من أختها غير الشقيقة، وبالتأكيد لم تكن تشعر أنها تستحقها.
"أوه، ها هي فتاتي الجميلة العزيزة!" .
اقتربت أغنيس واحتضنت إيفانجلين بكلتا ذراعيها
تابعت : "كنا جميعًا قلقين عليكِ بشدة. كان من المريح أن نسمع أن هناك من استطاع إصلاحك."
شدّت أغنيس على إيفانجلين أكثر وهمست:
"الكثير من الخُطّاب بدأوا يسألون عنكِ. والآن بعد أن عدتِ، سأرتب زيارة لأغناهم."
لم تكن إيفانجلين تعرف كيف ترد على كلام أغنيس، أو على هذه النسخة الجديدة من زوجة أبيها التي تؤمن بالعناق.
حتى عندما تزوجت أغنيس من والد إيفانجلين، لم تعانقها أبدًا.
كانت أغنيس قد تزوجت ماكسيميليان من أجل تأمين مستقبل ابنتها، تمامًا كما تزوجها هو لنفس السبب.
لم يكن ماكسيميليان فوكس غنيًا—مشاريعه التجارية كانت تفشل بقدر ما تنجح—لكنه كان خيارًا محترمًا لأرملة لديها ابنة.
أطلقت أغنيس سراح إيفانجلين من العناق، فقط لتوجهها نحو رجل كانت تأمل ألا يكون أحد الخُطّاب.
كان يرتدي قميصًا أبيض حريريًا واسعًا، مزينًا بكشكشة دانتيل تتدلى حتى بنطال جلدي أسود ضيق جدًا لدرجة أن إيفانجلين استغربت كيف يستطيع التحرك.
قالت أغنيس : "إيفانجلين ، هذا السيد كاتلاس نايتلينجر من صحيفة الهمس."
سألت إيفانجلين بدهشة : "أنت الذي يكتب في تلك الصحف المليئة بالفضائح؟" .
صححت أغنيس بنبرة متعالية : "ليست صحيفة فضائح، إنها مجلة محترمة"
جعلت إيفانجلين تظن أن هذه الصحيفة الصغيرة قد نمت في عدد قرائها ومكانتها منذ أن نشرت المقال الذي ألهمها للبحث عن دار القلوب المكسورة.
قال كاتلاس نايتلينجر وهو يمرر قلمًا أسود الريش على شفتيه : "في الواقع، لا يهمني ماذا تسمينها، آنسة فوكس، طالما سُمح لي أن أكتب عنك فيها." .
"لقد كنت أتابع كل ما يتعلق بعودة الاساطير الى مدينتنا ، ولدي عدة أسئلة لكِ."
شعرت إيفانجلين فجأة بعدم الثبات، وكأن الأرض تهتز تحت قدميها. آخر شيء كانت تريده هو الحديث عما حدث مع جاك. لا أحد يجب أن يعرف أنها عقدت صفقة مع أحد الاساطير.
ولو كانت قد استعادت قوتها بالكامل، لكانت انسحبت بحجة ذكية. لكن بدلاً من ذلك، كان السيد كاتلاس نايتلينجر، صاحب الكشكشة والدانتيل والبنطال الجلدي، هو من أخذ زمام الأمور.
بسرعة، سحبها بعيدًا عن الحفل، عبر ستائر ذهبية سميكة، وجلسا على مقعد مخفي في زاوية تفوح منها رائحة الغموض والمسك والسحر المزيف. أو ربما كانت تلك رائحة عطر كاتلاس نايتلينجر؟
"سيد نايتلينجر...."
حاولت إيفانجلين النهوض من المقعد، لكن العالم بدأ يدور من حولها. كانت بحاجة ماسة للطعام.
"لا أظن أن اليوم مناسب لإجراء مقابلة."
"لا تقلقي، ما تقولينه لا يهم كثيرًا. أنا أجعل من أُجري معهم المقابلات يبدون رائعين. والجميع يحبك بالفعل. بعد التضحية التي قدمتها، أصبحتِ من أبطال فاليندا المفضلين."
"لكنني لست بطلة حقًا."
"أنتِ متواضعة جدًا."
اقترب كاتلاس منها أكثر، وكانت الرائحة الثقيلة حولها بالتأكيد عطره !
"خلال أسبوع الرعب—"
سألت إيفانجلين :"ما هو أسبوع الرعب؟" .
قال كاتلاس بحماس : "لقد كان أمرًا مثيرًا للغاية!" .
"بدأ كل شيء بعد أن تحولتِ إلى حجر. الاساطير عادوا—هل تصدقين أنهم كانوا محبوسين داخل مجموعة أوراق لعب؟ حدثت فوضى ومشاكل كثيرة عندما هربوا وحاولوا السيطرة على الإمبراطورية. لكن قصتك، حين أخذتِ مكان ذلك الحفل وتحولتِ إلى حجر، ألهمت الناس في كل مكان خلال تلك الفترة الصعبة. أنتِ بطلة."
جف حلق إيفانجلين فجأة. لم يكن غريبًا أن يحضر كل هؤلاء الناس.
"آمل أنني فعلت ما كان سيفعله أي شخص آخر لو كان مكاني."
"هذا رائع."
أخرج كاتلاس دفترًا صغيرًا بشكل لا يُصدق من صدرية جلده وبدأ يكتب بسرعة.
"قرائي سيعشقون هذا. والآن—"
قاطعته معدة إيفانجلين بصوت قرقرة مرتفع.
ضحك كاتلاس، وقال بسرعة وبراعة كما يكتب بقلمه ، "جائعة قليلًا؟"
"لا أذكر آخر مرة أكلت فيها. ربما يجب أن—"
"لدي فقط بعض الأسئلة الإضافية. هناك شائعات تقول إنه خلال فترة تجمدك، بدأت والدتك بالتبني تتلقى عروض زواج لك—"
،" قاطعت إيفانجلين بسرعة : "أوه، أغنيس هي زوجة أبي ، لم تتبنّني أبدًا."
قال كاتلاس وهو يغمز : "لكن أظن أنه من الآمن القول إنها ستفعل الآن."
"نجمتكِ ستواصل الصعود، آنسة فوكس. والآن، هل يمكنني الحصول على كلمة أخيرة من النصيحة لجميع معجبيكِ؟"
كلمة "معجبين" تركت طعمًا سيئًا في فم إيفانجلين. لم تكن تشعر أنها تستحق أي معجبين. والجميع سيغير رأيه بلا شك لو عرفوا ما فعلته حقًا.
قال وهو يمرر قلمه الريشي على دفتره : "إن كنتِ عاجزة عن الكلام، سأخترع شيئًا رائعًا." .
قالت إيفانجلين :,"انتظر !,"
رغم أنها لم تكن تعرف بعد ما ستقوله، لكنها ارتجفت من فكرة ما قد يكتبه.
"أنا أعلم أن القصص غالبًا ما تكتسب حياة خاصة بها. لقد بدأت بالفعل أشعر وكأن الرعب الذي مررتُ به يتحول إلى قصة خيالية، لكنني لست مميزة، وهذه ليست قصة خيالية."
قاطعها كاتلاس : "ومع ذلك، انتهى الأمر بشكل جيد بالنسبة لكِ"، .
جاء صوت ناعم من خلفهم يقول : "لقد كانت حجرًا لمدة ستة أسابيع"
"لا أظن أن هذا يُعتبر نهاية جيدة."
نظرت إيفانجلين فوق كتف كاتلاس لترى أختها غير الشقيقة.
كانت ماريسول واقفة بين الستائر الذهبية، تحمل كعكة السكر بيل وكأنها درع تحتمي به.
استدار كاتلاس بسرعة، والدانتيل والجلد يتمايلان معه.
"العروس الملعونة!"
احمر وجه ماريسول بشدة، حتى بدا اللون مؤلمًا.
"هذا رائع!"
بدأ قلم كاتلاس الريشي يتحرك من جديد.
قال : "أود أن أجري مقابلة معكِ."
"في الواقع..." .قاطعت إيفانجلين، وقد شعرت أن ماريسول هي من تحتاج إلى إنقاذ الآن
"أنا وأختي غير الشقيقة لم نقضِ وقتًا معًا حتى الآن، لذا سأخطفها لنأكل بعض الكعكة."
دفعت إيفانجلين نفسها أخيرًا لتتجاوز كاتلاس، ووضعت ذراعها بذراع ماريسول، وغادرتا عبر الستائر.
"شكرًا لكِ."
تمسكت ماريسول بإيفانجلين بقوة، ورغم أنهما لم تكن تربطهما علاقة وثيقة من قبل، شعرت إيفانجلين وكأن أختها أصبحت أنحف.
ماريسول كانت دائمًا نحيلة مثل والدتها، لكن اليوم بدت هشة. وكانت بشرتها شاحبة ، وربما كان ذلك بسبب ماقاله كاتلاس ، لكن أيضًا ، كانت هناك هالات تحت عينيها البنيتين الفاتحتين، وكأنها لم تنم منذ أيام... أو ربما أسابيع.
توقفت إيفانجلين فجأة قبل أن تعودا إلى الحفل.
في وقت سابق، كانت تتساءل لماذا لم يكن لوك موجودًا، لكن الآن بدأت تخاف من الإجابة.
قالت : "ماريسول، ما الأمر؟ و... أين لوك؟"
هزّت ماريسول رأسها ، ثم قالت : "لا يجب أن نتحدث عن هذا الآن. هذا يومكِ السعيد. لا أريد أن أفسده."
"أنتِ من صنعتِ لي الكعكة، وأنقذتِني من ملك الصحف الفضائحية—أظن أنكِ البطلة الحقيقية."
امتلأت عينا ماريسول بالدموع، وشعرت إيفانجلين وكأن سكينًا انغرز في صدرها.
"ما الأمر؟" تابعت بإلحاح. "ما الذي حدث؟"
بدأت ماريسول تعض شفتها بتوتر.
"حدث قبل أربعة أسابيع، عندما قررنا أنا ولوك أن نحاول الزواج مرة أخرى."
زواج؟ مرة أخرى؟ وهي لا تزال حجرًا؟
هذه المرة، شعرت إيفانجلين وكأن شيئا داخلها بدأ ينزف.
لم يكن من المفترض أن تؤذيها هذه الأخبار بهذا الشكل.
عندما لم ترَ لوك في مختبر بويسون أو في حفل الترحيب، تخيلت أن الأمور لم تتغير بينهما.
لكنها الآن تتألم لسماع أنه لم يحزن عليها حتى، وأنه بعد أسبوعين فقط من تحوّلها إلى حجر، خطط لحفل زفاف جديد.
"ظننا أننا سنكون بأمان لأن أسبوع الرعب انتهى. لكن في طريقه إلى الزفاف، هاجمه ذئب بري."
تلعثمت إيفانجلين : "انتظري—ماذا؟" .
فاليندا مدينة ساحلية مزدحمة. أكبر الحيوانات فيها هي الكلاب، تليها القطط الشرسة التي تتجول في الأرصفة بحثًا عن الفئران. لا يوجد ذئاب في فاليندا !
قالت ماريسول بأسى : "لا أحد يعرف من أين جاء الذئب"، .
تابعت : "الطبيب قال إن نجاته كانت معجزة. لكنني لست متأكدة إن كان نجا حقًا. لقد تعرض لإصابات بالغة."
شعرت إيفانجلين وكأن ساقيها فقدتا قوتها. حاولت أن تتكلم، أن تقول إن المهم أنه لا يزال حيًا. طالما أنه حي، فكل شيء سيكون بخير.
لكن طريقة حديث ماريسول جعلتها تشعر وكأنه مات بالفعل.
"لقد مرّت أسابيع، ولم يغادر منزله، و—"
بدأت كلمات ماريسول تتقطع، والكعكة الجميلة التي تحملها بدات تقطر نقط من الكريمة على السجادة من رعشت يدها .
"إنه يرفض رؤيتي. أظن أنه يعتقد أن ما حدث بسببي."
"كيف يمكن أن يكون ذلك خطأكِ؟"
"سمعتِ ما قاله السيد نايتلينجر. الجميع في فاليندا يلقبونني بالعروس الملعونة. زفافان، وكارثتان خلال أسابيع قليلة. أمي تقول إن هذا ليس أمرًا سيئًا، وإنني مميزة لأنني كنت أول من جذب انتباه الاساطير عند عودتهم. لكنني أعلم أنني لست كذلك. أنا ملعونة."
انهمرت الدموع على وجنتي ماريسول الشاحبتين.
حتى تلك اللحظة، كانت إيفانجلين تقاوم بشدة الشعور بالندم على قراراتها.
ربما كان هجوم الذئب على لوك مجرد صدفة، لكن من المرجح أكثر أن ما حدث لم يكن بفعل ذئب بري فقط.
جاك أخبرها أنه سيوقف الزفاف، ويبدو أنه نفذ وعده.
كان يجب على إيفانجلين ألا تعقد الصفقة معه.
كانت تريد أن تلوم جاك بالكامل، لكن هذا كان خطأها أيضًا.
كانت تعلم، منذ أن رأت التماثيل في الحديقة، أنها ارتكبت خطأ.
ظنت أنها أصلحته بتضحيتها، لكنها لم يكن ينبغي أن تلجأ إلى أمير القلوب من البداية.
"ماريسول، يجب أن أخبركِ بشيء..."
علقت الكلمات على لسان إيفانجلين.
حركت فكها لتخرج الاعتراف، لكنها شعرت أن المشكلة لم تكن في الضيق المفاجئ الذي شعرت به، بل في الخوف.
كانت ترتجف، تمامًا كما ارتجفت عندما سمعت لأول مرة خبر خطوبة لوك لماريسول.
حتى في ذلك اليوم، علقت الكلمات في حلقها عندما حاولت الحديث مع ماريسول عن لوك.
كانت مقتنعة تمامًا أن هناك لعنة. ولا تزال تريد أن تصدق ذلك.
لكن إيفانجلين لم تعد قادرة على تجاهل احتمال أنها ربما كانت مخطئة.
ربما السبب الحقيقي الذي جعلها غير قادرة على الحديث مع ماريسول عن لوك لم يكن بسبب تعويذة...
ربما كان الخوف هو ما شل لسانها.
ربما، في أعماقها، كانت إيفانجلين تخشى أن الأمر لم يكن لعنة كما ظنت، بل أن لوك لم يكن سوى فتى خائن.
"لا بأس، إيفانجلين. لستِ مضطرة لقول أي شيء. أنا فقط سعيدة بعودتك!"
وضعت ماريسول قطعة الكعك على أقرب طاولة مذهبة، ثم ألقت ذراعيها
حول إيفانجلين، تعانقها بالطريقة التي لطالما تخيلت إيفانجلين أن الأخوات الحقيقيات يعانقن بها بعضهن.
وعندها، أدركت أنها لا تستطيع قول الحقيقة... ليس اليوم.
لقد قضت إيفانجلين الأسابيع الستة الماضية وحيدة، متحجرة كالصخر.
لم تكن مستعدة لأن تكون وحيدة من جديد.
لكنها ستكون كذلك، لو عرف أحد ما فعلته.
تعليقات
إرسال تعليق