كان يامكان قلب منهار ٣

 الجزء الأول
قصة إيفانجلين فوكس


[الفصل الثالث]




تسللت الرهبة في عروق إيفانجلين كأنها نار حامية.


طار الذباب مبتعدًا من فوق رأس ماريسول ، واقترب طائر رمادي، بلونٍ كئيب ، وبدأ ينقره بنهم.


ربما لم تكن إيفانجلين وماريسول مقربتين، وربما كانت الغيرة تشتعل في قلب إيفانجلين أكثر مما كانت تعترف، لكنها لم تكن تريد سوى إيقاف الزفاف. لم تكن تنوي أن تحوّلها إلى حجر.


كان التنفس يؤلمها وهي تحدق في تمثال لوك. وجهه الذي كان دومًا يعكس اللامبالاة، تجمد الآن في هيئة من الذعر. 

فكه مشدود، وعيناه منكمشتان، والتجاعيد التي حفرت بين حاجبيه الحجريين، كلها كانت تصرخ بالخوف.


ثم تحرك فجاءة .


شفتاه الحجرية انفصلتا قليلًا، كأنهما تحاولان النطق، كأن لوك كان يقاتل ليقول شيئًا...


قال احدهم : "بعد دقيقة، سيتوقف عن الارتعاش."


توجهت نظرة إيفانجلين نحو مؤخرة المظلة.

كان جاك يتكئ بلا مبالاة على كرسي مغطاة بأزهار زرقاء ، ويقضم تفاحة بيضاء. 

بدا وكأنه شاب نبيل يشعر بالملل، ونصف شرير في آنٍ واحد.


صرخت إيفانجلين: "ماذا فعلت؟"


ردّ وهو يلتهم قضمة أخرى: "فعلت تمامًا ما طلبتِه. تأكدت أن الزفاف لم يتم."


قالت بغضب: "عليك أن تصلح الأمر."



قال جاكس بنبرة مقتضبة ، وكأنه سئم الحديث قبل أن يبدأ : "لا يمكنني ذلك." 

  تابع : "صديق مدين لي بخدمة هو من فعل هذا. والطريقة الوحيدة لفك اللعنة... أن يأخذ أحدهم مكانهم." 

ألقى نظرة نحو بقعة عشبية بجوار المظلة، حيث كان كأس نحاسي يستقر فوق جذع شجرة متآكل.


اقتربت إيفانجلين من الشراب.


ابتعد جاكس عن التعريشة، وقد تلاشت لا مبالاته، حين رآها تحدق بالكأس ، قال : "ماذا تفعلين؟" .


إيفانجلين : "هل لو شربت منه، سيعود كل شيء كما كان؟"


قال : "لا تفكري حتى في الأمر." تابع بصوت ط أكثر حدة. ::"إذا شربتِ ذلك وأخذتِ مكانهم، فلن ينقذك أحد. ستبقين حجرًا... إلى الأبد."


قالت بصوت مرتجف: "لكن لا يمكنني تركهم هكذا." 

رغم أن جزءًا منها كان يوافق جاك. لم تكن تريد أن تصبح تمثالًا في حديقة. لم تستطع حتى أن تلمس الكأس، وهي تقرأ الكلمات المنقوشة على جانبه:

سم ، لا تشربني


انتشرت رائحة الكبريت منه، ولم تكن متأكدة إن كانت قادرة على ابتلاع هذا السائل الكريه. لكن كيف لها أن تعيش مع نفسها، إن تركتهم جميعًا تحت هذه اللعنة؟


انتقلت عيناها من الطائر الذي لا يزال ينقر تاج زفاف ماريسول، إلى لوك ونداءه المتجمد طلبًا للنجدة. 

كان والداه واقفين على جانبيه، ثم الوزير المسكين الذي اختار الزواج الخطأ ليباركه.

 لم تكن تريد أن تشعر بالذنب تجاه أصدقاء لوك الثلاثة، أو تجاه أغنيس. لكنها كانت تعلم أن والدها، رغم أنه لم يتزوج أغنيس حبًا، كان سيكره ما حدث. كلا والديها كانا سيشعران بخيبة أمل كبيرة، لأن إيمان إيفانجلين بالاساطير أوصلها إلى هذه النهاية.


همست: "هذا لم يكن ما أردته."


قال جاك بنبرة هادئة، وكأنه يراها طفلة تائهة: "أنت تنظرين للأمر من زاوية خاطئة، يا صغيرتي."

 ثم أسقط تفاحته نصف المأكولة، وتركها تتدحرج على أرضية المظلة حتى اصطدمت بحذاء لوك الحجري. 

قال : "حين تنتشر هذه القصة، سيعرف الجميع من في المدينة ، وسيسعون لمساعدتك. ستكونين الفتاة التي خسرت عائلتها بسبب الاساطير الشريرة. قد لا تحصلين على لوك، لكنك ستنسينه قريبًا. ومع زوجة أبيك وأختك المتحجرتين، أظن أنك سترثين بعض المال. وبحلول صباح الغد، ستكونين مشهورة... ولن تكوني فقيرة."


ابتسم جاك، وأظهر غمازتيه كأنه قدم لها معروفًا.


شعرت إيفانجلين بالغثيان من جديد.


في القصص، كانت تلك الكائنات التي ينتمي إليها حاك دوما شريرة ، لا تسعى إلا للفوضى والخراب. لكن هذا... هذا ما كان يجب أن يخافه الناس.

 إيفانجلين نظرت إلى هذه التماثيل البشرية ورأت فيها رعبًا، بينما جاك رآها وسيلة. لم يكونوا خطيرين لأنه أشرار، بل لأنهم لا يميزون بين الخير والشر.


لكن إيفانجلين كانت تعرف الفرق. وكانت تعرف أيضًا أن هناك منطقة رمادية بين الخير والشر، وهي المنطقة التي ظنت أنها دخلتها ذلك الصباح حين دخلت دار جاك تطلب منه معروفًا. لكنها أخطأت، وحان وقت إصلاح الخطأ.


رفعت الكأس.


قال جاكس محذرًا: "ضعيه. لا تريدين فعل هذا. أنت لا تريدين أن تكوني البطلة، بل تريدين نهاية سعيدة—لهذا جئتِ إليّ. إن فعلتِ هذا، فلن تحصلي على تلك النهاية. الأبطال لا ينالون النهايات السعيدة، بل يمنحونها للآخرين. هل هذا حقًا ما تريدينه؟"


قالت بثبات: "أريد أن أنقذ الفتى الذي أحب. وسأكتفي بالأمل... أن يقرر إنقاذي هو أيضًا." 

وقبل أن يتمكن جاك من إيقافها، شربت إيفانجلين.

كان طعم السم أسوأ من رائحته—كأنه عظام محترقة وأمل مفقود. أغلقت حلقها وهي تكافح لتتنفس، ثم لتتحرك.


ظنت أنها رأت جاك يهز رأسه، لكنها لم تكن متأكدة. رؤيتها بدأت تتشقق. عروق سوداء بدأت تنتشر في الحديقة، كأنها حبر لطخ على ورق. 

ظلام... بدا الظلام يملئ مكان. 


حاولت إيفانجلين أن تقنع نفسها بأنها فعلت الصواب. لقد أنقذت تسعة أشخاص. لا بد أن أحدهم سينقذها أيضًا.


همس جاك: "لقد حذرتك." سمعت أنفاس

ه المتوترة، وسمعته يتمتم بكلمة "مؤسف". ثم...... لم تعد تسمع شيئًا.


---





تعليقات

المشاركات الشائعة