كان يا مكان قلبٌ منهار ٨
الجزء الأول
قصة إيفانجلين فوكس
[الفصل الثامن]
حين كانت إيفانجلين محبوسة في هيئة تمثال حجري، أصبحت حياتها راكدة. ساكنة مثل بركة منسية، لم تمسّها الأمطار ولا الحصى ولا حتى الزمن. لم تتحرك. لم تتغير. لكنها شعرت. شعرت بالكثير. بالوحدة الممتزجة بلمحات من الندم، أو بالأمل الممزوج بالنفاد من الصبر. لم يكن شعورها يومًا مجرد إحساس واحد نقي، بل كان دومًا شيئًا يختلط بآخر. تمامًا كما هو الحال اليوم.
الندوب على معصم إيفانجلين توقفت عن الاحتراق. لم تعد تؤلمها كما لو أن "جاك" قد غرس أنيابه فيها للتو. لكن داخلها ظل يعج بالفراشات حين وصلت إلى الباب الأنيق المؤدي إلى غرفة ماريسول. الباب الأبيض ذو النافذة الصغيرة كان يومًا ما باب غرفتها هي.
إيفانجلين كانت تعلم أن ماريسول لم تسرق الغرفة، بل انتقلت إليها بناءً على إصرار زوجة أبيها حين تحولت هي إلى حجر. وعندما عادت إيفانجلين، حاولت ماريسول أن تعيد الغرفة إليها، لكنها شعرت بالذنب ورفضت، فتركتها لها. وحتى الآن ما زال الذنب يثقل قلبها، لكن هذه المرة كان ذنبًا من نوع آخر… ذنبًا لأنها لم تستطع أن تطرق الباب الذي كان يومًا بابها، لتطلب من ماريسول أن ترافقها إلى الشمال.
كانت إيفانجلين تفكر فقط في أن لوك كان يومًا لها أيضًا. ورغم أنها أصبحت أكثر إصرارًا من أي وقت مضى على التخلي عن لوك، إلا أنها لم تتخلَّ تمامًا عن فكرة ماريسول ولوك معًا. كان ذلك من الأمور التي حاولت ألّا تفكر بها. لم تكن تعتقد أن ماريسول تعلم أنها أحبت لوك؛ فماريسول كانت دائمًا طيبة وخجولة، لا تبدو قادرة حتى على سرقة كتاب، فكيف بسرقة فتى؟ لكن… من الصعب ألّا يتسرب الشك.
ماذا لو كانت ماريسول تعرف أن إيفانجلين تحب لوك؟ ماذا لو أخذته منها عن قصد؟ وماذا لو وجدت إيفانجلين الحب من جديد في الشمال، ثم جاءت ماريسول وسلبته مرة أخرى؟
يد إيفانجلين بقيت معلّقة بين طرق الباب وإنزالها. حينها...
"أمي، أرجوكِ"، جاء صوت ماريسول، لم يكن عاليًا، لكن الممر الضيق كان ساكنًا لدرجة أن إيفانجلين سمعت كلماتها من خلف الباب. "لا تقولي ذلك."
"إنها الحقيقة يا صغيرتي." كان صوت أغنيس لزجًا مثل العسل الأسود، حلوٌ أكثر من اللازم لدرجة يصبح معها مقززًا. "لقد أهملتِ نفسك في الأشهر الماضية. انظري إليكِ... بشرتك، شعرك، وقفتكِ كأنكِ شريط مبلل، وتلك الهالات السوداء تحت عينيكِ بشعة. ربما يستطيع رجل أن يتجاهل سمعتك الملعونة لو كنتِ جميلة، لكنني بالكاد أطيق النظر إليكِ."
عندها فتحت إيفانجلين الباب، غير قادرة على احتمال كلمة قاسية أخرى.
كانت ماريسول المسكينة جالسة على سريرها الوردي الشاحب، تبدو فعلًا مثل شريط ذابل. لكن السبب لم يكن إلا أن أغنيس دهستها بكلماتها القاسية. ومهما كانت ماريسول أو لم تكن، فهي أيضًا ضحية لأغنيس. لكن على عكس إيفانجلين، عاشت ماريسول مع هذه المرأة البغيضة طوال حياتها.
"أليس لديكِ ذرة تهذيب؟" صرخت أغنيس.
إيفانجلين كانت تموت رغبة في أن تقول إن أغنيس هي من تفتقد التهذيب واللطف، إلى جانب أشياء أخرى كثيرة. لكن استفزازها الآن لم يكن تصرفًا حكيمًا.
لذلك أجبرت نفسها أن تقول بدلًا من ذلك:
"آسفة... جئت ومعي خبر اعتقدت أنكما سترغبان في سماعه حالًا."
على الفور ضاقت عينا أغنيس بالشك. بينما ماريسول مسحت عينيها بخفية.
وفي تلك اللحظة، شعرت إيفانجلين يقينًا أن ذهاب ماريسول معها هو الأمر الصائب. لم تصدق إيفانجلين أنها فكرت في عدم دعوتها. وهي تنظر الآن إلى أختها غير الشقيقة، لم تستطع أن تتخيل أن ماريسول قد تفكر أصلًا في سرقة لوك منها، وحتى لو فعلت… أليس لوك هو الشخص الذي كان يجدر بها أن تلومه حقًا؟
"حسنًا؟" قالت أغنيس. "ما الأمر يا فتاة؟"
"اليوم قابلتُ الإمبراطورة"، أعلنت إيفانجلين.
"ولي عهد الشمال العظيم سيقيم حفلة راقصة، وقد طلبت مني الإمبراطورة أن أكون سفيرة إمبراطورية ميريديان هناك. كل شيء مُجهّز: المواصلات، الإقامة، وحتى الملابس. سأغادر بعد أسبوع من اليوم… وأريد أن آخذ ماريسول معي."
أشرق وجه ماريسول كأن إيفانجلين منحتها باقة من نجوم التمني.
لكن أغنيس لم تنطق بكلمة. بدا عليها الذهول، كأنها رأت شبحًا أو لمحة من قلبها الشرير. إيفانجلين كانت شبه واثقة أنها سترفض، خاصة وهي تفتح فمها المتجمد. لكن، وعلى غير المتوقع، جاء صوت أغنيس أكثر عذوبة من اللازم وهي تصفق بيديها قائلة:
"يا له من خبر رائع! بالطبع يمكنك الذهاب وأخذ ماريسول معك."
تعليقات
إرسال تعليق