كان يا مكان قلب منهار ٩


الجزء الثاني  الشمال البهي

 [الفصل التاسع]




أربعة عشر يومًا لم يروا فيها سوى أمواج مظلمة، وزَبَد رمادي، ورذاذ مالح لاذع. ثم فجأة، وكأنها صورة مأخوذة من حكايات أمها قبل النوم، أبصرت إيفانجلين الانحناءات المكسوّة بالثلج لـ قوس البوابة العظمى إلى الشمال البهي.

كان القوس مبنيًا من الغرانيت المخطّط بعروق زرقاء لامعة، شاهقًا بارتفاع برج قلعة. أما أعمدته المتآكلة فقد نُقشت على هيئة حوريات بحر يمسكن برماحٍ تخترق نقوشًا لرجال، كما يغرز بحّار رمحه في سمكة. كانت ظهور الرجال منحنية، وأذرعهم ممدودة تحمل اللافتة التي تشكّل أعلى القوس الضخم:

مرحبًا بكم في الشمال البهي — هنا تُروى الحكايات

"إنه أكبر مما تخيلت!" قالت ماريسول، وكان شعرها البني الفاتح يلمع، ووجهها الرقيق قد امتلأ بحمرة العافية. لقد أنعشتها أسابيع البحر. في الأيام الأولى على متن السفينة، كانت شديدة الاضطراب حتى أنها لم تجرؤ على مغادرة مقصورتها. لكن مع مرور الأيام صارت تخرج أكثر، وها هي اليوم تقف متكئة بجانب إيفانجلين عند السور.

همست : "هل هذا هو المكان الذي يجب أن نصمت  فيه ؟"

أومأت إيفانجلين مبتسمة، سعيدة بأن أختها غير الشقيقة بدأت تُصدق قصصها عن الشمال، كما كانت هي تؤمن بها. وخلال الرحلة، لم تندهش إيفانجلين عندما اكتشفت أن أغنِس لم تروِ لماريسول أي حكايات في طفولتها. ولهذا، كانت قد شاركتها بعض قصص والدتها، بما فيها تحذيراتها عند دخول الشمال:

إياك أن تنطقي بكلمة وأنتِ تعبرين قوس البوابة. فالسحر القديم للشمال لا يمكن أن يتجاوز حدوده، لكنيُحاول السحر دائمًا أنيتجمع حول قوس البوابة، وإذا تكلمت أثناء عبورك، فإنه يسرق صوتك ويستعمل كلماتك ليغوي بها مسافرين آخرين، محاولًا أن يهرب إلى بقية أنحاء العالم.

لابد أنها كانت خرافة شائعة، أو أن الجميع شعر بنفس الجدية التي شعرت بها إيفانجلين، لأن السفينة بأكملها أبحرت تحت القوس في صمت تام.

وعلى الجانب الآخر، كان الهواء باردًا كالثلج، والغيوم منخفضة جدًا حتى إن إيفانجلين أحسّت بطعمها على لسانها.

"ليت السفينة تبحر أسرع،" تمتم أحد البحّارة. "هذا الجزء دائمًا يجعلني أشعر بالقلق."

توقفت الأمواج عن ضرب جوانب السفينة، وزحفت الغيوم القريبة لتحجب الشمس، لتترك سفينتهم مظللة وهي تشق بهدوء الممر البحري المعروف باسم صفّ فالور، مقبرة العائلة الملكية الأولى للشمال.

كانت آثار عائلة فالور القديمة تمامًا كما وصفتها أمها: تماثيل شامخة تقف غارقة حتى الركبتين في مياه رمادية زرقاء، تكاد تضاهي القوس في طولها، وقد نُحتت بكامل تفاصيلها لتبدو كأنها ترتدي دروعًا أو ثيابًا فاخرة — عدا رؤوسها التي كانت جميعها مفقودة. ومع ذلك، وبينما كانت السفينة تمر بجوارها، شعرت إيفانجلين وكأنها تسمع أصواتهم … أو ربما كانت أصوات أولئك الذين فقدوا كلماتهم عند عبور القوس.
همسوا بخشونة :
حرّرونا.
   أعيدونا.

       ساعدونا.

                 نستطيع…

لكن إيفانجلين لم تسمع بقية الرجاء، إذ وصلت السفينة إلى أرصفة فالورفِل، وانشغل الجميع بالنزول.

"الآنسة فوكس؟ الآنسة تورمالين؟" نادت سيدة بشَعرٍ فضي، ترتدي ثوبًا أزرق بلون ماء البحر، وتحتها تنورة فضية وحزامًا يتدلّى منه عدد من اللفائف المربوطة. "أنا فرَنجليكا ، سأصطحبكما إلى مكان إقامتكما، وسأتأكد من حضور الآنسة فوكس إلى مأدبة العشاء هذا المساء."

ابتسمت فرَنجليكا ابتسامة دافئة ولوّحت لهما بحركة سريعة وهي تحثهما على النزول من السفينة. لكن إيفانجلين لم تستطع أن تتعجل وهي تخطو على الرصيف المبتل، المزدحم ببائعي السمك، وأكشاك التجارة، وبراميل المحار الخشنة.

لطالما أحبت العيش في الجنوب. أحبت حرارة الشمس، والألوان الزاهية الصاخبة التي يرتديها الجميع هناك. لكن الآن، شوارع فاليندا المشرقة بدت لها مبالغًا في بريقها.
فهنا، كل شيء مغطى بالضباب: رماديات باهتة، زرقة ممطرة، وأرجوان عميق بلون البرقوق الطازج.

رجال المرفأ الضخام كانوا يبدون قادرين على دخول الغابة وقطع شجرة بضربة واحدة من فأس. يرتدون أحذية جلدية سميكة مزودة بأبازيم ثقيلة، بينما النساء يرتدين أثوابًا صوفية غليظة مع أحزمة تشبه حزام فرَنجليكا، تحوي كل شيء من قوارير العلاج إلى أقواس صغيرة تُمسك باليد.

بمجرد أن استنشقت إيفانجلين الهواء البارد النقي، انتصبت أكثر وامتلأت رئتاها بنَفَس عميق. ثم—

"ماريسول، انظري! تنانين صغيرة!"

"يا إلهي!" شحب وجه ماريسول، إذ دوّى صوت فرقعة، واندفع تنين أسود صغير بحجم سنجاب، ينفث نارًا حمراء ليشوي قطعة سمك عند كشك قريب.

في الميناء، كانت هذه الكائنات الصغيرة الظريفة منتشرة كما تنتشر السناجب. يكاد كل بائع يملك واحدًا. ماريسول لم تُخفِ انزعاجها من هذه المخلوقات المجنّحة الصغيرة، لكن إيفانجلين كانت مفتونة برؤية تنانين زرقاء صغيرة جاثمة على الأكتاف، وأخرى بنية مجعّدة تقف على العربات. كانت هذه التنانين المصغّرة تشوي التفاح واللحوم، وتنفق الزجاج المنفوخ، وتُسخّن أكواب الشوكولاتة الساخنة.

كل ذلك كان آسرًا، تمامًا كما حكت لها والدتها.

اضطرت إيفانجلين أن تنظر إلى أسفل، إلى حجارة الرصيف المبللة، لتتأكد أن قدميها ما زالتا على الأرض، وأنها لم تُحلّق فعلًا، فقد كان جزء منها يطير من الفرح. دخولها إلى الشمال لم يكن مجرد بداية لشيء ما… بل كان شعورًا ببداية كل شيء.

خلف الأرصفة، ارتفعت أبراج المحلات الخشبية الصلبة إلى الأعلى بدلًا من أن تمتد عرضًا. كل طابق منها بدا وكأنه مأخوذ من كتاب قصص قديم، بواجهات أنيقة متجاورة، تتصل فيما بينها بجسور مشاة مغطاة بالضباب، تتقاطع فوق رأس إيفانجلين في أنماط مدهشة تشبه المتاهة.

ذكرها الشمال بأمها، بالطبع، لكن وخزة حزن عبرت قلبها حين أدركت أنه أيضًا مكان كانت ستتمنى لو تستكشفه مع والدها. فالمحلات القليلة التي رأت داخلها بدت بالضبط كالأماكن التي كان يمكن أن يعثر فيها على غرائب جديدة ليعرضها في متجره.

"اقرأ شائعة اليوم!"صاحت فتاة تحمل حقيبة مليئة بأوراق ملفوفة. "مثالية إذا كنت تراهن على من ستنال خطبة الأمير، أو إذا أردت معرفة من سيكون منافسك!"

"علينا شراء واحدة،" قالت ماريسول وهي تحدّق في الأوراق بفضول. وبما أن ماريسول لا تحب صحف الفضائح عادة، فإن اهتمامها لم يكن مما تتوقعه إيفانجلين، لكنه كان تمامًا ذلك الفضول المغامر الذي تمنت أن يوقظه الشمال في أختها غير الشقيقة.

مدّت إيفانجلين يدها إلى كيس نقودها. كانت العملة مختلفة، لكن الإمبراطورة زودتها بمال شمالي يكفيها. "كم السعر؟"

"فقط نصف مارك،" ردت الفتاة، ثم توقفت فجأة وحدقت فيها جيدًا. قفزت حاجباها بدهشة: "إنها أنتِ! وشعرك وردي حقًا!" دفعت إليها بورقة مبللة بالضباب وأومأت بعينها: "على حسابي. لقد راهنت أن الأمير أبولو سيختارك أنتِ دون غيرك."

لم تعرف إيفانجلين كيف ترد، فلم تجد سوى أن تصرّ على دفع ضعف ثمن الصحيفة للفتاة.



صحيفة الشائعة اليومية

لتبدأ المراهنات

بقلم: كريستوف نايتلنغر

نعلم جميعًا أن الأمير أبولو قال إنه قد لا يختار أي عروس، وأنه بمجرد بدء "الليلة التي لا تنتهي" قد لا ينتهي أبدًا. لكنني لا أراهن على حدوث ذلك. لدي معلومات موثوقة بأن أبولو يراقب عدة شابات، ولدي بعض النظريات الممتازة حول هوياتهن.

أول اختيار مفضل لدي هو ثيسالي فورتونا، التي لا تحتاج للكثير من التعريف. نظرًا لأنها من أحد البيوت العظيمة، فلن أفاجأ إذا كانت خيار الأمير أبولو الأول لشريكة الرقص غدًا.

مع ذلك، إذا كان أميرنا الشاب يأمل في كسب رضا أولئك الذين ليسوا من سلالات نبيلة، فقد يطلب من أرييل "لالا" لاجريماس، التي أصبحت مؤخرًا محبوبة، أن ترقص أولًا. عائلة لالا غامضة إلى حد ما، وغالبًا ما يكون هذا رمزًا لكونهم من عامة الناس، لكن جمالها شبه أسطوري. ونعلم جميعًا كم يقدّر الأمير أبولو الجمال.

للأسف، لا أظن أن المراهنة على زواج لالا ستكون آمنة. لقد سمعت كثيرًا أن الأمير قد يكون متعلقًا بالفعل بالأميرة الأجنبية الشهيرة سيرينديبتي سكايستيد من جزر آيسهافن، فقد عرفا بعضهما منذ الطفولة.

"كانت ترسل رسائل أسبوعية إلى القصر،" كشف مصدر سري.

إذا كنت تراهن على من قد يخطب الأمير، فإن الأميرة سيرينديبتي قد تكون الرهان الأكثر أمانًا.

لكن إذا كنت من محبي المخاطرة، مثلي، فقد ترغب في وضع أموالك على أخرى أجنبية: إيفانجلين فوكس من إمبراطورية ميريديان. يتيمة، ملعونة من قبل الأقدار، وأصبحت الآن محبوبة الإمبراطورة الجديدة في ميريديان، تبدو الحكايات المتداولة عنها وكأنها إحدى قصصنا الملعونة — يصعب تصديق أنها صحيحة بالكامل.

إبن عمي من الجنوب يقول إن إيفانجلين لها شعر وردي وذهبي لامع، وروح مغامرة جريئة. وقد رفضت سابقًا سلسلة طويلة من الخاطبين لتبقى يدها متاحة إذا رغب الأمير أبولو في طلبها — وقد أراهن أنه سيفعل.



ابتسمت إيفانجلين وهي تقرأ الصفحة، ونسيت لوك قليلاً أكثر. كانت تحاول ألا تطير آمالها عاليًا. حتى عندما كانت هي وماريسول تتحدثان عن الليلة التي لاتنتهي ، لم يكن الحديث أبدًا عن الأمير فقط؛ كانتا تتحدثان عن الرقص، والموضة، والأشخاص الذين قد يلتقين بهم. لكن إيفانجلين اضطرت للاعتراف بأنها حقًا تريد أن تصدق أن لديها فرصة في كسب قلب الأمير أبولو. كانت تعرف أن تخيّل الزواج من شخص لم تقابله بعد ليس الأكثر واقعية، لكنها لم تعتقد أنه مستحيل بالكامل.

كان لوالديها قصة حب أشبه بالقصص الخيالية، علّمت إيفانجلين أن تؤمن بأشياء مثل الحب من النظرة الأولى.

في كل مرة كانا يرويان فيها القصة، كانت تختلف قليلًا، كما لو كانت واحدة من حكايات أمها الشمالية. كانت تبدأ دائمًا عندما كان والدها يبحث عن الغرائب في الشمال، حتى صادف بئرًا يخرج منه ألحان ساحرة. اعتقد حينها أن البئر مسحور، فبالطبع حاول التحدث إليه. والبئر ردّ… أو بالأحرى، ردّت والدتها. فقد سمعت صوته يخرج من البئر العائلي، وأعجبتها فكرة إقناع هذا الغريب الجنوبي بأنها جنية ماء سحرية. لقد لعبت معه لأسابيع في بعض نسخ القصة. في نسخ أخرى، كان والد إيفانجلين يعرف منذ البداية أن الشابة  تمارس لعبة. لكن في كل نسخة من الحكاية، وقع الاثنان في الحب.

"حب من أول صوت،" كان يقول والدها. ثم كانت والدتها تقبّله على خده وتقول: "أما أنا، فكان حبٌ من اول هذه "

وكان والدها ووالدتها يحرصان دائمًا على أن يخبرا إيفانجلين بأن الحب لا يحدث دائمًا من البداية؛ فبعضه يحتاج وقتًا لينمو مثل البذور، أو قد يكون مثل المصابيح الزهرية، خامدًا حتى يحين الموسم المناسب. لكن إيفانجلين كانت دائمًا تحلم بـ الحب من النظرة الأولى، الحب كما عاشه والدها ووالدتها، الحب كحكاية. ونظرها إلى الصحيفة جعلها تصدق قليلًا أكثر أنها قد تجده هنا، في ليلة التي لا تنتهي .

"يا له من أمر مثير جدًا!" صرخت ماريسول بفرحة صافية ونقية. لكن بعد ثانية، رأت إيفانجلين ظلًا مقلقًا يعبر وجه أختها الصغيرة. "حتى وإن قالت الصحيفة أنك خيار محفوف بالمخاطر، عليك أن تكوني حذرة الليلة مع الفتيات الأخريات. الآن سيكنّ كلهن مخالب وأسنان."

عرفت إيفانجلين أن هذه الردة بلا شك تأثير سم أغنيس، لكن شعرت بوخز. ففي اللحظة التي ذكرت فيها ماريسول كلمة "أسنان"، بدأت الندوب على شكل قلب في معصم إيفانجلين تحترق. شعرت بها أكثر فأكثر منذ قررت الذهاب إلى الشمال. وعادةً، كانت تتجاهلها…

تجاهلت إيفانجلين ألم الندوب والذكريات المرتبطة بجاك، لكنها فجأة لم تستطع التخلص من شعور مزعج بأن الشخص الذي يجب أن تقلق منه الليلة ليس الفتيات الأخريات، بل الاسطورة ذو العينين الزرقاوين الذي ترك علاماته عليها.

لمن تبدأ الليلة التي لاتنتهي رسميًا إلا غدًا، لكن في هذه الليلة كان هناك عشاء خاص لاستقبال جميع السفراء الأجانب. على عكس الحفل الرسمي حيث يرقص الأمير مع خمس فتيات فقط، هذه الليلة كان سيجتمع مع الجميع بشكل خاص، بما في ذلك إيفانجلين.

"سيدات!" صاحت فرَنجليكا مصفّقة بيديها. "لن يهم أي شيء إذا لم تصل الآنسة فوكس إلى عشاءها." ولوحت لهما بالدخول إلى عربة بانتظارهما.

خفت الإحساس بالحرق في معصم إيفانجلين قليلاً لكنه لم يختفِ تمامًا أثناء انطلاق العربة على شارع رمادي وعر ، تصطف على جانبيه نُزل وحانات سُمّيت على أسماء حكايات شمالية وشخصيات تاريخية مختلفة.
مرّوا بجناح للتنبؤ بالمستقبل يُدعى همسات فيسبر، وحداد يُدعى أسلحة وولفريك. بدا أن حانة الأمير الأبدي تحظى بشعبية، لكن إيفانجلين كانت أكثر فضولًا تجاه طابور الناس المتعرج المؤدي إلى مياه فورتونا ذات النكهات الرائعة. لم تتعرف على الاسم من حكايات والدتها، لكنها تساءلت إن كان المكان مرتبطًا بالفتيات فورتونا التي ذُكرت في صحف الشائعات المحلية كمرشحة مفضلة.

توقفوا أخيرًا قرب نهاية الطريق المبهج عند العرّافة واللؤلؤ: نُزل للمسافرين المغامرين. وكان يُشاع أنه بُني من حطام سفينة غارقة، وكان النُزل مليئًا بالألواح الخشبية المزعجة ،  ودفءٌ صاخب أزال على الفور برودة جسد إيفانجلين.

الجدران كانت مغطاة بصفحات بلون بني قديم، مرسوم عليها بحّارة مذهولون وحوريات بحر شريرات. واستمر هذا الموضوع في جناح إيفانجلين وماريسول.
إطارات أسّرتهما كانت تحاكي صناديق كنز خشبية مفتوحة، مع ملصقات من أكبر اللآلئ البيضاء التي رأتها إيفانجلين في حياتها.

وفقًا لوالدتها، كان العرّافة واللؤلؤ يحكي قصة حورية خدعت البحّارة ....

كانت الحورية تخدع البحّارة لتحوّلهم إلى لآلئ عملاقة. كانت إحدى الأساطير التي بدت دائمًا أقرب إلى الحكايات الخيالية منها إلى التاريخية. لكن تحسبًا لأن تكون الحقيقة فيها أكثر من الخيال، تجنّبت إيفانجلين جميع أعمدة السرير اللؤلؤية أثناء تجهيزها للعشاء. حاولت الحصول على دعوة لماريسول، لكن عشاء الليلة كان حصريًا جدًا.

كان على الجميع حضور العشاء مرتدين أزياء تعبّر عن شخصيتهم أو المملكة التي أتوا منها، وفستان إيفانجلين المقدم من الإمبراطورة عبّر عنها تمامًا. لم تكن هناك أكمام، بل خطوط رقيقة من الفضة تلف ذراعيها وصدرها، وتمتد للأسفل على التوب الأبيض الثلجي وتنورة متناسقة، وكأنها عروق حجر رخامي.

بدت وكأنها تمثال قد أتى للحياة.

شحب وجه ماريسول.

"أظن أنه من الجيد أنني لم أُدعَ إلى هذا العشاء. لو كان عليّ ارتداء فستان يرمز إلى حياتي، لربما كان يحمل جمجمة وعظمتين متقاطعتين على الصدر." قالت ماريسول هذا وكأنه مزحة، لكن صوتها كان مرتفعًا بعض الشيء وحادًا قليلًا.

وبمجرد ذلك، عاد شعور الذنب المألوف إلى إيفانجلين.

"سيكون الوضع مختلفًا هنا." أمسكت إيفانجلين بيد أختها غير الشقيقة وضغطتها برفق. مرة أخرى، شعرت بالرغبة في الاعتراف بالحقيقة وإخبار ماريسول أن ما كانت تعتقده لعنة كان كله خطأ إيفانجلين.

"الآنسة فوكس!" نادت فرَنجليكا من الباب. "حان وقت الانطلاق يا عزيزتي."

أغلقت إيفانجلين فمها وابتلعت أسرارها. قد يخفف الاعتراف شعورها بالذنب، لكنه سيدمر الكثير من الأشياء الأخرى، وليس لها فقط. إذا أخبرت ماريسول الحقيقة، ربما لن تشعر باللعنة بعد الآن، لكنها ستشعر بالخيانة.

في الوقت الحالي، كان على إيفانجلين أن تأمل فقط أن تكون الأمور مختلفة حقًا هنا، وأن يكون للشمال ما يكفي ليخلق نهايات أكثر سعادة لكلتيهما.

تعليقات

المشاركات الشائعة