كان يا مكان قلب منهار ٧
الجزء الأول
قصة إيفانجلين فوكس
[الفصل السابع]
إيفانجلين قرأت دعوة الإمبراطورة مرة أخرى بينما كانت العربة الخاصة بها تهبط في باحات القصر اللامعة.
قضت اليوم السابق تحاول أن تتخيل نوع الفرصة التي قد ترغب الإمبراطورة في مناقشتها، لكنها ما زالت بلا أي فكرة. حتى ماريسول لم تكن تعرف شيئًا. فعندما عادت إيفانجلين إلى المنزل وأخبرت ماريسول بما تحويه الرسالة الحمراء، كررت أختها غير الشقيقة أنها سعيدة من أجلها، لكنها بدت متوترة في الوقت نفسه.
وإن كانت دعوة إيفانجلين غامضة، فالإمبراطورة الجديدة كانت أشد غموضًا.
قبل أن تتحول إيفانجلين إلى حجر، كان هناك وريث آخر للعرش: شاب لُقّب بـ "وسامته". لكن لسوء حظه، خلال "أسبوع الرعب"، ظهرت الأساطير مجددًا أمام الناس وقامت بقتل هذا الأمير التعيس.
عندها خاضت الإمبراطورة الجديدة وشقيقتها الصغرى — التي سماها الناس "قاتلة الاساطير" — معركة معهم لاستعادة الإمبراطورية، فقتلتا واحدة منهم ، وأثبتتا أن نظرية إيفانجلين كانت صحيحة: الاساطير ليسو خالدين حقًا، فهم لا يشيخون، لكن يمكن قتلهم.
معظم سكان المدينة أحبوا الأختين لانتصارهما على الأساطير ، لكن بعضهم اعتقد أن الإمبراطورة الجديدة نفسها ليست سوى إحدى الأساطير. أما الصحف المليئة بالفضائح فزعمت أنها تستطيع قراءة العقول، وأن خطيبها قرصان غطّت الندوب جسده مثل شبكة.
إيفانجلين كانت تعرف أنه لا يجب تصديق كل الشائعات، ومع ذلك بقيت قلقة من مسألة قراءة الأفكار. لم ترد أن ترى الإمبراطورة ما يدور في عقلها وتكتشف أن إيفانجلين ليست المُخلّصة التي يظنها الجميع.
إيفانجلين عبثت بأزرار عباءتها الكريمية الصغيرة، وقد شعرت بحرارة مفاجئة وهي تغادر عربتها وتتبع خادم القصر عبر ممر مغطى بالزهور، حتى وصلت إلى باب بمقبض ذهبي على شكل طائر طنان.
فتح الخادم الباب ثم انحنى قائلًا:
"جلالتك، الآنسة إيفانجلين فوكس قد وصلت."
وتنحى جانبًا ليدعوها للدخول إلى حديقة مليئة بأشجار خضراء كالزمرد، تتدلى منها زهور بلون المرجان والوردي والخوخي، تخيلتها إيفانجلين مثل قبلات ناعمة على الخدود.
"مرحبًا بك!"
"سعيدتان بلقائك أخيرًا، يا إيفانجلين!"
"شعرك حقًا رائع!"
تكلمت الإمبراطورة وأختها، الأميرة دوناتيلا، في الوقت نفسه، بينما كانت الطيور الطنانة تحوم فوق رأسيهما.
قالت الأميرة بحماس:
"لم نكن نعرف ما تحبين، لذلك طلبنا قليلًا من كل شيء."
بشرائط زرقاء لامعة تزين تجعيدات شعرها الأشقر وملامح مرحة على وجهها الجميل، بدت مختلفة تمامًا عما تخيلته إيفانجلين عن تلك الأميرة الجريئة، قاتلة الأساطير، التي تحدثت عنها الصحف المليئة بالفضائح.
وأضافت:
"لدينا كريما التوت الأسود، وأطباق الحصاد، وبودينغ القرع، وفطائر الجوز، وكل أنواع الشاي."
ثم أشارت بيدها نحو برج من أباريق الشاي الملونة، يتصاعد منها بخار وردي أنيق. إن كان هدف الشقيقتين إبهارها، فقد نجحتا بامتياز.
شعرت إيفانجلين وكأنها أميرة هي الأخرى حين خلعت عباءتها أخيرًا وجلست إلى المائدة المليئة بما لذ وطاب.
ابتسمت قائلة: "هذا رائع. شكرًا لدعوتكما لي."
فقالت الإمبراطورة:
"نحن في غاية السعادة لانضمامك إلينا."
كانت شابة، ربما في عمر إيفانجلين نفسه، وإن كان من الصعب التأكد، إذ كان هناك خصل رمادية عريضة تقطع شعرها الداكن. ارتدت فستانًا ياقوتيًا مكشوف الكتفين، وقفازات دانتيل أنيقة، وابتسامة عذبة جعلت إيفانجلين تستغرب كيف شعرت بالقلق من لقائها في البداية.
"كنا نتمنى لقائك منذ أن سمعنا عن بطولتك خلال أسبوع الرعب."
قالت الأميرة بسرعة: "لكننا نريد أيضًا أن نطلب منك خدمة."
نظرت الإمبراطورة إلى شقيقتها بحدة، وكأنها خرجت عن النص المتفق عليه.
رفعت الأميرة كتفيها وقالت: "وماذا في ذلك؟ أنا متأكدة أنها تموت فضولًا. كل ما أفعله هو محاولة إنقاذ حياتها." ثم مدت يدها عبر طبق أختها وأخذت ورقة مربعة من الكريما، مطبوعة بحبر نحاسي متألق.
❖━━━━━━━━━━━━━━━❖
كان الحبر المعدني يلمع وكأنه ما يزال رطبًا—أو ربما تلامسه لمسة من سحر الشمال. حاولت إيفانجلين ألا تقفز إلى استنتاجات… لكنها فشلت على الفور. كانت تأمل في أن يكون هناك نهاية سعيدة جديدة بانتظارها، ومع رؤية هذه الدعوة، أصبح من المستحيل تقريبًا ألا تتخيل أن هذه قد تكون فرصتها للعثور عليها.
قالت الإمبراطورة بصوت هادئ:
"للشمال عادات تختلف عن عاداتنا. لا يمكن لولي العهد أن يتولى العرش كاملًا إلا بعد أن يتزوج، وإقامة حفلة لاختيار عروس هي من أقدم تقاليدهم."
كان ذلك أيضًا تقليدًا تعرفه إيفانجلين جيدًا، مما جعلها تشعر أنه علامة أخرى موجهة إليها. فقد كانت والدتها قد أخبرتها كثيرًا عن احتفالات "الليلة التي لا تنتهي". وعندما كانت طفلة صغيرة، اعتبرتها إيفانجلين أكثر الأمور رومانسية التي سمعتها في حياتها.
كانت قاعات رقص سرية تُبنى خصيصًا لهذه المناسبة في الغابات حيث سقطت النجوم ذات يوم، تاركةً خلفها بقايا سحرٍ عالقة في كل مكان. وكانت ليانا فوكس تقول إن هناك أنواعًا خاصة من السحر لا توجد إلا في الشمال، وحتى ذكرياته لا يمكن أن تعبر إلى الجنوب. ثم تروي لها كيف أن ولي العهد في كل ليلة من ليالي "الليلة التي لا تنتهي" كان يراقب الحفل من مكان خفي، ثم يختار خمس سيدات ليرقص معهن. وفي كل ليلة يكرر الأمر نفسه: يراقب، ثم يطلب الرقص، إلى أن يعثر على العروس المثالية.
قالت إيفانجلين: "لطالما تمنيت أن تكون الليلة التي لا تنتهي حقيقية، لكنني لم أكن واثقة أبدًا."
ابتسمت الإمبراطورة قائلة: "إنها حقيقية، ونحن نريدك أن تذهبي." ثم ارتشفت من فنجانها بينما أسقط طائر طنان بتلات خوخية في كوبها. وأضافت: "كنا سنحضر نحن، لكن لا أعتقد أنه من الحكمة مغادرة الإمبراطورية بعد وقت قصير من تتويجي، و—"
قاطعتها الأميرة: "هناك شخص في الشمال أحاول تجنبه."
زجرتها الإمبراطورة: "تيلا!"
ردت الأميرة ببساطة: "ماذا؟ إنها الحقيقة." ثم التفتت نحو إيفانجلين وأضافت: "أنا أعشق الحفلات والكرات الراقصة التي تنتهي عادة بشكل درامي، لكن وجودي هناك قد يتسبب في حادث دبلوماسي وربما حرب إذا حضرت هذه الاحتفالات."
ارتسمت على جبين الإمبراطورة خطوط من الحرج والقلق.
ثم تابعت بصوت أكثر دبلوماسية: "لا يمكننا تجاهل هذه الدعوة، ولا أريد أن أبدأ حكمي بتجاهل واحدة من أعرق احتفالات الشمال. لذلك، أنا ومجلسي فكرنا كثيرًا فيمن يمكنه تمثيل إمبراطورية ميريديان." ثم التقت عيناها العسليتان بعيني إيفانجلين. "ما فعلتِه خلال أسبوع الرعب كان شجاعة منك ، ونكرانك للذات جعلنا نعتقد أنكِ بالضبط الشخص المناسب الذي نريده سفيرة لنا."
أسرعت إيفانجلين لتضع قطعة من كريما التوت الأسود في فمها، محاولة إخفاء التوتر الذي شد ابتسامتها.
كانت تريد أن تقول نعم. لطالما حلمت بالذهاب إلى الشمال، لاكتشاف العالم الذي نشأت فيه والدتها، ولتعرف أيًا من حكاياتها كان حقيقيًا.
كانت تتوق لمعرفة ما إذا كان هناك فعلًا عفاريت حلويات تترُك الحلوى في الأعياد، أو تنانين صغيرة بحجم الحيوانات الأليفة تتحول إلى دخان إذا حاولت الطيران جنوبًا. وكانت تريد حضور الحفل، لقاء الأمير، الرقص طوال الليل… وأخيرًا نسيان "لوك".
إن كان هناك شيء في الدنيا قادر على أن يُنسيها إياه، فهو "الليلة التي لا تنتهي".
لكن… هل يمكن أن تقول نعم؟ الإمبراطورة وأختها أرادتا بطلة تكون سفيرة لهما، أرادتا اليتيمة المُخلِّصة التي تحدثت عنها الصحف… لكن إيفانجلين لم تكن تلك الفتاة. بل كانت النقيض تمامًا. فهاتان الأختان قاتلتا الأساطير ، بينما هي عقدت صفقة مع واحد منهم.
جف حلقها فجأة. ومهما حاولت إيفانجلين ألا تفكر في "جاك"، إلا أنه كان حاضرًا في أعماق ذهنها، سرًا تخشى أن ينكشف يومًا ما.
لم تكن تعرف بعد أين اختفى جاك. كان "بوسين" قد قال إن معظم الأساطير توجهوا شمالًا حيث مُنحوا اللجوء، وكل الشائعات التي سمعتها منذ ذلك الوقت أكدت ذلك. لم تذكر أي منها أمير القلوب تحديدًا. لكن ألم يحذرها "بويسن" من أنها ستنجذب إلى جاك، سواء أرادت أم لا؟ ماذا لو كان هذا هو السبب الحقيقي؟ ماذا لو لم تكن هذه فرصتها لنهاية سعيدة، بل مجرد القدَر يوجّه طريقها؟
بعد آخر لقاء لها مع أمير القلوب — عندما كان يحاول مساعدتها — انتهى بها الأمر وقد تحولت إلى حجر. لم ترد حتى أن تتخيل ما قد يحدث لو رأت "جاك" مرة أخرى، وقرر أن يطالب بالقبلات الثلاث التي تدين له بها.
أفضل وسيلة لحماية نفسها من أمير القلوب كانت أن ترفض العرض بالذهاب إلى الشمال.
لكن بعد ذلك… ماذا؟ في أفضل الأحوال، ستستمر إيفانجلين في العمل في مكتبة الكتب، وتحبس أنفاسها كل مرة يرن فيها جرس الباب. فكرة بدت الآن بائسة أكثر منها باعثة على الأمل.
قالت الإمبراطورة فجأة: "إن كنتِ قلقة بسبب تلك الإشاعة السيئة، فقد عالجنا الأمر بالفعل."
ضحكت الأميرة دوناتيلا وأضافت: "أوه، كان ذلك ممتعًا جدًا!" ثم مدت يدها، فجاء زوج من الطيور الطنانة يحمل صحيفة بالأبيض والأسود إلى إيفانجلين.
جريدة الهمس
وصلنا لتوّنا من مصدر موثوق أن مُخلِّصة فاليندا الحبيبة قد شُفيت. لم يعد لمسها يحوّل الرجال إلى حجر.
لم يخطر لإيفانجلين أصلًا أن تقلق من هذه الشائعة، لكنها أُعجبت بمدى سرعة تعامل الأختين معها.
قالت الأميرة: "لقد صدرت للتو. وبحلول الليلة، لن يظن أحد أنك ملعونة بعد الآن. مع أن معظم الناس كان عليهم أن يدركوا منذ زمن أنه لا يمكنهم تصديق كل ما يقرؤونه. عليكِ أن تري بعض ما كتب عني بعد أسبوع الرعب!"
اعترفت إيفانجلين بابتسامة خفيفة: "ربما قرأت بعضها. فالمكتبة التي أعمل فيها تحتفظ بكل الصحف القديمة."
سألتها الأميرة بفضول، وقد بدت متحمسة أكثر من كونها محرجة، بينما وضعت قطعة صغيرة من التارت أمامها: "وماذا كان رأيك؟"
وضعت الأميرة قطعة التارت في فمها على شكل قلب، فلم تستطع إيفانجلين إلا أن تضحك. لقد أعجبت بهاتين الأختين. وقالت:
"أظن أن السيد نايتلنغر أخطأ تمامًا. أنتما أقوى بكثير في الحقيقة مما صورتكما أوراق الفضائح."
صفقت الأميرة بحماس: "قلت لكِ إنها مثالية! هيا، أخبرينا أنك ستقولين نعم! لن تضطري لفعل أي شيء سوى الذهاب."
ابتسمت الأختان لها ابتسامة متطابقة، بينما تساقطت بتلات الزهور من الأعلى، وحامت الطيور الطنانة حولهن.
فكرت إيفانجلين: لو عرفتا الحقيقة عما حدث يوم تحولت إلى حجر، لما طلبتا منها هذا أبدًا. لكن ربما يمكنها أن تستغل هذه الدعوة لتصبح أقرب إلى الشخص الذي تظنانها هي.
قد تكون الدعوة مجرد لعبة من القدَر لإعادتها إلى جاك، لكنها أيضًا قد تكون فرصتها لإيجاد نهاية أكثر سعادة لحكايتها.
كانت تدرك أن الأمر محض خيال أن تتخيل نفسها تذهب إلى الشمال، تلتقي الأمير أبولو، فيقع في حبها ويختارها. لكنها تربت على الإيمان بالأماني والقصص الخيالية والأشياء التي تبدو مستحيلة.
ثم خطر لها: ماذا لو لم تكن هذه فرصتها وحدها لنهاية سعيدة، بل أيضًا لماريسول؟ لطالما أرادت إيفانجلين أن تجد طريقة تجعل حياة أختها غير الشقيقة أفضل. ربما يكون هذا هو الطريق.
فإن ذهبت ماريسول معها إلى الشمال، فلن يعرفها أحد بلقب "العروس الملعونة"، بل ستكون مجرد فتاة في حفل راقص، وستحرص إيفانجلين على أن يكون أفضل حفل في حياتها. وبحلول الوقت الذي يعودان فيه إلى فاليندا، سيكون "لوك" مجرد ذكرى منسية بالنسبة لهما معًا.
ابتسمت إيفانجلين للأختين الملكيتين وقالت:
"إذا قلت نعم، هل سيكون ممكنًا أن آخذ أختي غير الشقيقة معي؟"
أجابت الإمبراطورة: "إنها فكرة جميلة."
تمتمت الأميرة بأسف: "كان يجب أن أفكر في ذلك." ثم أضافت بسرعة: "لكن لا تقلقي، لقد خططنا لكل شيء آخر. قد تكونين لاحظتِ أن فصول الشمال تختلف عن فصولنا. فأول يوم من الشتاء سيكون بعد ثلاثة أسابيع فقط، لذا ربما بدأو بالفعل في الاستعدادات."
وبعد ذلك دار حديث طويل عن مكان الإقامة، ثم عن الفساتين. فالموضة في الشمال مختلفة تمامًا؛ الرجال يرتدون صدريات وجلودًا كثيرة، والنساء يرتدين فساتين بطبقتين مع أحزمة مزخرفة. ثم بدأت الأميرة تندهش وتبدي إعجابها باللآلئ والجواهر، بينما شعرت إيفانجلين في داخلها وكأنها أشرطة ملونة ملتفة، مفعمة بالحماس والفرح.
وأخيرًا، سألت آخر سؤال كانت فضولية بشأنه:
"هل تعرفان أي شيء عن الأمير؟"
أجابتا الأختان معًا بحماس: "نعم!"
لكن عينا الأميرة دوناتيلا تاهتا فجأة وقالت: "في الحقيقة… لا أستطيع أن أتذكر ما سمعت."
وقالت الإمبراطورة أيضًا بنفس الطريقة: "أما أنا… لقد سمعت…" ثم توقفت عاجزة عن استرجاع أي شيء.
تساءلت إيفانجلين إن كان الحديث عن الأمير ملعونًا، مثل كثير من الحكايات الشمالية. فلم تتمكن أي من الأختين من تذكر شيء عن الأمير أبولو أكاديان أو عائلته.
لو لم تكن إيفانجلين على دراية بالشمال، لكان هذا أقلقها كثيرًا. لكنها كانت منشغلة أكثر بحرقة غريبة بدأت تشتعل فجأة عند ندوب القلوب الثلاثة المكسورة على معصمها.
تعليقات
إرسال تعليق