أسلوب رجال المافيا ١٦

 [16] 
[ اين هو ابني ، اريد رؤيته]

------

كان لوكاس جالسًا خلف شاحنة صدئة، مسنودًا إلى إطار مغطى بالتراب والزيت الجاف.  

سمع صوت نعل يدهس الحصى، وشعر بخطوات شخص يقترب.  

"سيد لوكاس؟"  

قالتها امرأة ببدلة سوداء، شعرها مربوط، ونظرة لا تعرف الحيرة في عينيها.  

وقفت أمامه وتابعت: "السيد فيكتور ينتظرك."  

نهض لوكاس دون أن يعلّق، وسار خلفها.  

حين وصلا إلى الطريق، ظهرت خمس سيارات داكنة، مصطفّة بهدوء واحتراف. رجال ونساء بملابس رسمية موزّعون، يراقبون بحذر.  

أشارت المرأة إلى سيارة معينة وقالت: "من هنا."  

قادته بين المركبات إلى سيارة سوداء فاخرة، مطفأة الأنوار. وفي عجلة قيادتها يجلس فيكتور.  

فتح لوكاس الباب دون أن يلتفت إليه، وجلس بصمت.  

من الخارج، ناول أحد العملاء علبة معدنية صغيرة إلى فيكتور. في داخلها شريط لاصق، شاش معقّم، وحقنة مسكّن موضعي.  

فتحها فيكتور ومدّها إليه دون أن ينظر، وقال:  

"ضع هذا قبل أن تتعفّن قدمُك."  

أخذها لوكاس منه. استخدم الشاش والشريط بصمت. ثم نظر إلى والده...  

قال: "هل هاتفك معك؟ أعرنيه للحظة."  

أخرجه فيكتور من جيب سترته ومدّه إليه بهدوء،  

سأل: "بِمَ تحتاجه؟"  

ردّ لوكاس وهو يشغّل شاشة الهاتف المطفأة: "أحتاج إلى تأكّد من شيء..."  

فتح لوكاس المتصفّح… وكتب ببطء اسم ربيكيا أريال؛ ليظهر له الخبر الأحدث، منشور اليوم:  

"العثور على جثة ربيكيا أريال في مجرى النهر الخارجي صباح اليوم..."  

بقي ينظر إلى الشاشة لثوانٍ… ثم أطفأ الجهاز وأعاده.  

قال فيكتور بهدوء مشوب بالتلميح:  

"أتريد أن نمرّ إلى أيلا ؟ إنها في مكان آمن، يمكنك البقاء عندها."  

لكن لوكاس ردّ فورًا: "لا أريد رؤية وجهها."  

صمت فيكتور للحظات ثم قال: "احترق المنزل وهي في داخله. كادت تموت."  

لكن لوكاس ردّ بكل برود: "كدت أموت أيضًا... لا يهمني أمرها."  

أومأ فيكتور، ثم بدأ بتشغيل المحرك:  

"كما تريد، في تلك الحالة... سنذهب إلى منزلي."  

واستدارت العجلات وتحركت السيارة بسرعة.

 *******

لم يأخذوا وقتًا طويلًا ليصلوا إلى المنزل؛ ارتصّت السيارات السوداء في حديقة المنزل الواسعة، ونزل فيكتور ولوكاس من سيارتهما.  

وقفا أمام الباب، كان لوكاس مشغولًا بالنظر في الأرجاء مستغربًا من حجم المنزل وظلاله الأبيض.  

وحين فُتح الباب، تسرّب ضوء النهار على أرضيته اللامعة، حتى تكاد تعكس الوجوه مثل مرآة خام.  

قالت إحدى الخادمات: "مرحبًا سيد فيكتور، تفضّل بالدخول."  

دخلا الاثنان، تقدّم لوكاس قليلًا وعيناه تلاحظان التفاصيل...  

الجدران طُليت بلون أبيض نقي، تكاد تضيء بذاتها، تتخللها إطارات باللون الذهبي على الحواف، وتحيط بالأبواب، واللوحات، وحتى مقابض النوافذ.  

رفع رأسه إلى السقف، ليرى ثريّا كريستالية تتدلّى منه... عالم لا يشبه البؤس الذي أتى منه أبدًا.  

ثم نظر إلى الأمام، لتقع عيناه على سلالم تنساب مزدوجة من جانبين، مفروشة بسجاد أحمر ناعم، تحاكي البذخ الذي يعيشه هؤلاء.  

بينما كان لوكاس مشغولًا في تأمّل الأرجاء، كان فيكتور يحاول أن يجد هيلين حتى سأل إحدى الخادمات عنها.  

أجابت: "إنها في الأعلى، مع الرضيعة."  

قال: "حسنًا." تابع وهو يلمّح إلى لوكاس: "اهتمي بأمره، جهّزي له غرفة وانظري إذا كان يحتاج إلى شيء."  

أومأت: "حاضر سيدي."  

توجّهت الخادمة إلى لوكاس بينما صعد فيكتور إلى السلالم، وما إن وصل إلى الأعلى حتى لمح هيلين تأتي من الردهة.  

كانت ترتدي فستانها الوردي كالعادة، وشعرها مرفوع إلى الأعلى بأناقة.  

وقفت مكانها بكبرياء راقٍ، واقترب منها فيكتور وهو يفكّر ماذا يقول.  

قال بصوت خفيض: "هيلين... بشأن الأخبار... أقسم لك أن هذا كان قبل زواجنا، لم يحصل شيء بيني وبينها بعد ذلك."  

نظرت إليه بهدوء، ثم حولت بصرها إلى لوكاس الواقف مع الخادمة في الأسفل.  

قالت بابتسامة شبه واثقة، وشبه ساخرة: "يبدو في أوائل العشرينات... إنه يسبق زواجنا."  

أصدر فيكتور تنهيدة راحة، لكن سرعان ما رنّ هاتفه ليسرق منه راحته. كان اتصالًا من رجاله، لكن هيلين لم تُبعد عينيها عن معصم يده التي يحمل بها هاتفه.

                         *****

استيقظت أيلا أخيرًا، نهضت ببطء. و نظرت إلى جسدها ، لترى أن عليها روبًا داكنًا من الساتان.  

قالت: "لا أذكر أنني غيّرتُ ملابسي."  

أزاحت طرف الروب العلوي، لترى أنها لا زالت ترتدي ملابسها القديمة أسفله.  

تحرّكت على السرير بهدوء، حتى لامست ساقها الأرضية الخشبية الباردة.  

كانت الغرفة معتمة، عتمة مريحة، تخلقها ستائر كثيفة حجبت النهار تمامًا.  

نهضت، وأخذت تفكّ الروب الداكن. كانت يداها تتحركان بكسل، وعيناها مليئتان بالكسل، حتى لمحت شيئًا ذهبيًا يبرق على الطاولة الجانبية.  

حينها اتسعت عيناها، وقالت وهي تمشي نحوها:  

"هل هذه...؟"  

اقتربت منها كمن يقترب من كنزٍ مُحرّم، ثم ركعت على ركبتيها، لتمسكها بكفٍ متردد، وكأنها ستختفي إن لمستها.  

نظرت إلى اسمها المحفور... ثم إلى الشعار الفخم... ثم أخذت تمرّر إصبعها على الخطوط الذهبية الدقيقة وكأنها تلمس مجرّة في يدها.  

همست: "بطاقة ائتمان باسمي؟!"  

بدأت ترتسم ابتسامة على وجهها، ابتسامة غير متزنة، ثم أخذت تضحك بشكل جنوني.  

نهضت فجأة، وأخذت تحضنها بقوة وهي تدور حول نفسها.  

"لا أصدق، لا أصدق، بطاقة ائتمان ذهبية باسمي!"  

أبعدتها وأخذت تنظر إليها بفرح شديد.  

قالت: "آه لو يرى لوكاس هذا."  

حينها استوعبت شيئًا، تذكّرت أخبار البارحة وكيف أنها كادت تموت بسبب ربيكيا!  

قالت: "يا إلهي، لوكاس!"  

أخذت تنظر في الأرجاء بهلع حتى لمحت هاتفًا على الطاولة، كان كهاتفٍ اشترياه حديثًا.  

ركعت مجددًا وأخذت الهاتف، لتتصل بلوكاس، لم يكن هاتفه يرن حتى.  

قالت: "لا، لا..."  

ثم ضغطت على أرقام مختلفة لتتصل بفيكتور، لكنه لم يرد عليها.  

قالت: "تبا!"  

ثم أرسلت له رسالة طويلة: "فيكتور، أين لوكاس؟ ما الذي حدث له؟ هل هو بخير؟"  

ثم وضعت الهاتف مجددًا وهي تمسك بأطراف رأسها تفكر بقلق.  

فجأة، اهتز هاتفها.  

رفعت رأسها بسرعة وأمسكته.  

"إنه بخير." أخذت نفسًا من الراحة، ثم تلتها الرسالة الأخرى: "إنه في منزلي."  

قرأت الرسالة باستغراب، وضعت الهاتف جانبًا وقالت: "منزل فيكتور؟"

                              ***

جلست صوفيا على ركبتيها خلف حاجز خرساني، تضع منظارًا أمام عينيها. كانت تراقب مركز التصليحات الذي يعمل فيه دانيال.  

"لا شيء..."  

همست لنفسها، متنهّدة.  

تابعت وهي تنظر إلى الورقة التي صوّرتها ذلك اليوم: "راقبته لعدة أيام، لم أره يلتقي بأحد أو يفعل أي شيء مشبوه."  

تنهدت مجددًا، ثم أعادت النظر في المنظار... لترى دانيال يخرج من المبنى.  

وقف عند الرصيف الجانبي، يمسك هاتفًا بيده، يبدو كأنه ينتظر أحدًا.  

تساءلت: "من ينتظر؟"  

توقفت سيارة بجانب الرصيف، ترجل منها إيثان ببدلته المعتادة، يتحرك بثقة بلا تكلف.  

اتسعت عينا صوفيا قليلًا.  

قالت: "مستحيل..."  

شدّت نفسها للخلف، وهي تلتقط هاتفها لتوثّق المشهد.  

وقف إيثان أمام دانيال، وابتسامته الصغيرة لا تعني شيئًا محددًا، لكنها لا تدعو للخوف أيضًا.  

قال بصوت هادئ، راقٍ، كمن يفتتح جلسة شطرنج:  

"دانيال، أليس كذلك؟"  

مدّ يده إليه قائلًا: "سمعت أنك صديق لكلاود."  

لم يُجِب دانيال ولم يمدّ يده ليصافحه.  

استرجع إيثان يده وقال بابتسامة ثقة:  

"لا بأس، أتفهم تحفظاتك." تابع: "سأعرض عليك عرضًا مغريًا، ولك حرية القبول أو الرفض."  

أبدى دانيال بعض اللامبالاة، فتبسّم إيثان وتابع:  

"أحتاج إلى دخول منزل كلاود، هناك شيء يهمني داخله، لكنني أحتاج إلى شخص يمكنه الدخول دون فوضى."  

سأل دانيال: "وما هو الشيء المهم داخله؟"  

ابتسم إيثان ابتسامة أبدت بياض أسنانه، وقال: "لا تفوّت فرصة معرفة التفاصيل، أليس كذلك؟"  

تابع: "لا بأس، إنها فتاة، مهمة بالنسبة لي."  

دانيال: "ليس هناك فتاة تعيش معه."  

إيثان: "أنت لا تعرف شيئًا يا عزيزي." تابع: "صفقتنا كالتالي، عليك مساعدتي على الدخول إلى منزله..."  

فتح الحقيبة الجلدية التي كان يحملها بين يديه، لتظهر الكثير من الأموال.  

قال: "لك أي مبلغ تريده، هذه مجرد دفعة أولية."  

نظر دانيال إلى المال لحظات، فكّر قليلًا ثم قال: "من تلك الفتاة؟"  

أغلق إيثان الحقيبة قائلًا: "أنت فضولي للغاية يا رفيقي." تابع: "إنها ابنة المرحوم جوليان."  

أخذت تلك الكلمات اهتمامًا بالغًا من دانيال. تابع إيثان: "إنها تعيش في منزله، أحتاج إليها لأنهي بعض الأعمال العالقة."  

صمت دانيال للحظات، ثم مدّ يده قائلًا: "أنا موافق."  

صافحه إيثان قائلًا: "عملنا الليلة إذًا."  

كانت صوفيا تصوّر كل ذلك على هاتفها، أوقفت التصوير وقالت: "ما الذي يخططان له يا ترى؟"

                            ****


توقّفت سيارة أجرة قديمة عند أطراف الرصيف الحجري.  

خرجت منها أيلا بسرعة، تضع يديها على شعرها الذي يتطاير مع الرياح، ويدًا على معطف رمادي اشترته للتو.  

دفعت باب السيارة نصف مغلق، وأخذت تدفع للسائق وهي تنظر الى منزل فيكتور .  

مشت نحو وهي تقاوم الرياح، حتى وصلت إلى البوابة الحديدية الكبيرة ، أمامها اثنان من الرجال بالزي الأسود.  

تجاهلتهما ايلا ، تصرّفت وكأنهما غير موجودين، لكن أحدهما اعترضها بيده قائلًا: "عذرًا سيدتي، لا يمكن الدخول دون إذن..."  

لم تترك له فرصة للإتمام، دفعت يده بجسدها حتى كاد الرجل يفقد توازنه، ثم أخذت تركض.  

صرخ الآخر: "توقفي عندك!"  

تسرّبت ايلا من جانب البوابة المفتوحة جزئيًا كأنها تفرّ من طوفان لا من بشر.  

ركضت عبر الحديقة الواسعة ، حتى وصلت إلى عتبة المنزل، أخذت تطرق الباب بقوة، وهي تنظر خلفها من حين إلى آخر خوفًا من الحارسين.  

ضربة مرة، ضربتان، ثلاث. ثم فتحت إحدى الخادمات.  

بالكاد نطقت: "مَن أنتِ؟"  

لكن أيلا دفعتها وتجاوزتها بخطى مسرعة.  

تغلغلت إلى المنزل تنادي: "لوكاس! لوكاس، أين أنت؟!"  

صوتها يرتفع، يسبق قدميها. ظهرت هيلين من جانب الرواق عند ندائها.  

نظرت إلى أيلا بنظرات حاقدة حتى وقفت أمامها.  

قالت: "من سمح لك بالدخول؟ وكيف تجرئين على الصراخ داخل منزلي؟"  

ردّت أيلا بحدة: "أين هو ابني؟ أريد رؤيته."  

أجابت هيلين بهدوء جليدي:  

"هذا منزلي، أيلا. وابنك ضيفي، لذا تصرّفي بأسلوب متحضّر قبل أن أرميك خارجه."  

نظرت إليها أيلا بحنق، ثم أخذت تنادي مجددًا بصوت أعلى من ذي قبل على اسمه: "لوكاس!"  

أخذت تنادي عدّة مرات حتى قالت هيلين للخادمة: "أحضري الحرس."  

هزّت الخادمة رأسها وأسرعت لتنفيذ الأوامر، بينما تابعت أيلا النداء حتى جاء صوته من أعلى السلالم:  

"ما الذي تفعلينه؟ لماذا تصرخين؟"  

رفعت رأسها لترى أنه لوكاس.  

قالت له: "لوكاس، هل أنت بخير؟ جئت لرؤيتك."  

نزل لوكاس الدرج بخطى هادئة، عيناه لا تحيدان عنها.  

عندما وصل إليها، تنحّت هيلين قليلًا لتتركه يقف أمامها.  

قال بجفاء: "ولماذا تريدين رؤيتي؟ ألم نتفق أننا لا نعرف بعضنا منذ ذلك اليوم؟"  

صمتت، كأنها ضُربت بكلمة لا تملك لها درعًا. لكنها تشجّعت وتابعت المحاولة قائلة: "لوكاس، أعلم أنك لا زلت مستاء..."  

لكنه قاطعها بجفاء مجددًا: "كدت أموت البارحة، وكل ذلك بسببك، بسبب أكاذيبك !"  

دخل الحارسان مهرولين، أخذوا يمشون نحوهم يلهثون، لكن هيلين أشارت لهم ليتمهّلوا.  

وأخذت تراقب المشهد لعلّها تستمتع.  

تابع لوكاس، بنبرة أكثر قسوة:  

"حتى إنني كرهت نفسي بسببك."  

قالت أيلا ، وهي تتقدّم إليه، محاولة أن تحتضنه: "لا، لوكاس، لا يجب عليك..."  

لكنه تراجع نصف خطوة ثم قال بصوت جاف:  

"إياك أن تلمسيني."  

تابع: "أخبرتك من قبل، وسأكرّرها حتى تفهمي: أنتِ لم تعودي أمي."  

تجمّدت نظرات أيلا ، وبقيت يدها ممدودة في الهواء للحظات.  

شعرت هيلين بنشوة بالغة من ذلك المنظر، لم يبقَ سوى أن تتدخل، نظرت إلى الحارس وأومأت برأسها ليأخذوها.  

أخذوا يسحبونها وهي تنظر إلى لوكاس بنظرات منهارة، لم ينطق بشيء، كان يشاهدهم يجرّونها إلى الخارج.  

أسرّت بألم: "لوكاس..."

                          ****

جرّها الحارس بعنف حتى البوابة الخارجية، كانا يجرّانها وهي تطلب منهما تركها، قائلة: "أفلتوني، سأغادر بنفسي."  

ردّ عليها الحارس: "لتهربي مجددًا، أليس كذلك؟"  

وهما يفتحان الباب، وعندما كادا يرمينها خارجًا، لاحظا سيارة سوداء تتجه إلى البوابة، إنهما يعرفان تلك السيارة جيدًا.  

توقّفت السيارة وترجّل منها فيكتور.  

قال: "أبعدا يديكما عنها."  

أرخى الحارس يده فورًا، فاستعادت أيلا ذراعها منه بقوة وركضت إلى فيكتور وهي منهارة.  

قال أحد الحارسين: "سيدي، السيدة هيلين من طلبت..."  

قال: "لا بأس، سأتكفّل بالباقي، عودا أنتما إلى الداخل."  

أومأ الحارسان برأسيهما ودخلا إلى فناء الحديقة، بينما بقي فيكتور واقفًا بجانب أيلا أمام البوابة.  

قال: "ما الذي تفعلينه هنا؟!"  

ردّت أيلا: "جئت لأرى لوكاس! لكنه لا يريد رؤيتي، إنه يكرهني للغاية!"  

دفعت أيلا فيكتور بعنف، قائلة: "أنت السبب، فيكتور!" ثم أخذت تضرب صدره، قائلة: "لوكاس يكرهني بسببك! ما كان عليك إخباره بالحقيقة!"  

ضربته عدّة مرات، ثم أمسك فيكتور بيدها، قائلًا: "كيف يمكن أن يكون هذا بسببي؟ أنتِ من كذبتِ عليه، وليس أنا. كان سيعرف الحقيقة في النهاية."  

لم تستعد أيلا يدها، نظرت إلى عينيه الغاضبتين لبرهة، ثم أخذت الدموع تملأ عينيها، سحبت يدها وحشرت نفسها في الجدار.  

قال فيكتور: "أيلا، لا..."  

لكنها بدأت تبكي، وكان صوت شهيقها وبكائها عاليًا جدًا.  

قال: "سحقًا."  

اقترب منها وأخذ يهمس: "أنتِ امرأة بالغة، أيلا، توقّفي عن البكاء!"  

صرخت: "كيف تريدني ألا أبكي! لوكاس ابني الوحيد! ليس لدي ابن غيره، والآن هو يكرهني!"  

غطّت وجهها بالجدار وتابعت بصوت مخلوط بالبكاء: "أنت لن تفهم ذلك."  

فيكتور: "ما الذي تقولينه؟ لقد كان يكرهني أيضًا."  

صرخت في وجهه: "إنه لا يكرهك الآن، وهذا هو المهم!"  

سحبت نفسها إلى الجدار حتى وصلت إلى الأرض، وهي تقول: "إنه يكرهني أنا فقط الآن."  

ثم أخذت تبكي بشدة. تنهد فيكتور وأسرّ بانزعاج: "يا إلهي."


****


بعد نصف ساعة تقريبًا..... ، في غرفة في الطابق الثاني من قصر فيكتور، كان لوكاس جالسًا عند طرف السرير، يحاول أن يرجّ عبوة الشراب لكي يأخذ آخر قطرات منها... كان باب الغرفة مفتوحًا، فهو لم يتعب نفسه بإغلاقه.  

دخل فيكتور بخطواته الثقيلة المتزنة، ثم قال وهو ينظر حوله بهدوء:  

"ما رأيك بالغرفة؟ هل أعجبتك؟"  

قال لوكاس: "هناك شيء واحد أعجبني في المنزل." تابع ساخرًا: "زوجتك، إنها جميلة للغاية."  

حملق به فيكتور للحظات، محاولًا تجاهل تلك النبرة.  

تابع لوكاس بابتسامة لاذعة: "إنها جميلة، متزنة، حتى أن لديك طفل رضيع منها، لا أفهم لمَ قد تخونها."  

ردّ فيكتور: "من قال إنني أخونها؟"  

كانت إحدى الخادمات، بطيئة الخطى، ممتلئة الجسد، تسير نحو الغرفة وهي تحمل صينية شاي. عندما اقتربت من الباب، اصطادت أذنها بعض الكلمات.  

ردّ لوكاس: "حقًا؟ ماذا كنت تفعل في منزل أمي تلك الليلة إذًا؟"  

توقّفت متجمّدة من هول ما سمعته، ثم انسحبت دون أن تُحدث صوتًا.


****


عقارب الساعة تحرّكت سريعًا حتى توقّفت عند منتصف الليل.  

كان المكان هادئًا… والغرفة مرتبة بعناية، رائحةعطر نسائي تملأ المكان.  

كانت هيلين تجلس أمام المرآة، تفكّ الدبابيس عن شعرها المرفوع.  

طرقات خفيفة على الباب، ثم دخلت الخادمة وهي تحمل صينية صغيرة فيها شاي أعشاب.  

لمحتها هيلين من المرآة لكنها لم تنطق بشيء. اقتربت الخادمة ووضعت الشاي بجانب هيلين.  

أخذت هيلين رشفة من الشاي، ولاحظت أن الخادمة لا زالت واقفة مكانها.  

قالت: "لم أطلب شيئًا آخر، روشا. هل هناك مشكلة؟"  

تردّدت لحظة… تنفّست… ثم نطقت بصوت منخفض مهزوز:  

"عذرًا، سيدتي… هناك شيء أظن أنكِ يجب أن تعرفيه."  

نظرت إليها هيلين ببطء، ورفعت إحدى حاجبيها، وقالت :  

"ما الأمر؟"  

اقتربت روشا خطوة، وقالت:  

"أقسم أنني لم أقصد أن أسمع… لكن الباب كان نصف مفتوح. كنت أحمل الشاي إلى غرفة السيد لوكاس... وسمعت حوارًا بينه وبين السيد فيكتور."  

وضعت هيلين الشاي جانبًا، وقالت بلا مبالاة: "وماذا سمعتِ يا روشا؟"  

خفضت روشا عينيها، وقالت بنبرة تصعد بالكشف:  

"سمعت السيد لوكاس يقول إن السيد فيكتور قضى ليلة في منزل أيلا."  

هيلين بنبرة حادة: "هل أنتِ متأكدة أنه قال ذلك؟ أم أنكِ فقط سمعتِ جزءًا وقررتِ أن تبني عليه بطولة صغيرة؟"  

ردّت روشا بخوف خفيف:  

"أقسم، سيدتي، أن هذا ما سمعته."  

عمّ صمت مطبق، حتى صوت النفس في الغرفة انكسر.  

نظرت هيلين أمامها… ثم ابتسمت بمرارة خافتة.  

لم تنبس بكلمة، مدّت يدها بهدوء… وسحبت كوب الشاي… لتأخذ منه رشفة واحدة…  

ثم وضعته جانبًا، وقالت بنغمة صارمة: "لا تقولي شيئًا لأحد… وإن سُئلتِ، كنتِ تنظّفين الصالة. هل تفهمين؟"  

روشا تومئ برأسها بهلع: "نعم، سيدتي."  

"أخرجي."  

روشا غادرت بهدوء، والباب يُغلق.  

جلست هيلين ثابتة… رفعت يدها لتنظر إلى خاتم زفافها، ثم بدأت تلعب به في أصابعها...

****

وبينما هي كذلك، إذا بالباب يفتح من خلفها ويدخل فيكتور إلى الغرفة.  

قال وهو يخلع سترته: "ما زلتِ مستيقظة؟"  

تركت الخاتم في إصبعها، ثم نهضت إليه. كان واقفًا بجانب السرير، يفكّ أزرار قميصه في طريقه للراحة.  

تقدّمت نحوه بخفة، حتى توقّفت خلفه، وضعت يديها على كتفه وبدأت بتدليكه بلطف.  

قال بصوت دافئ، شبه هامس: "تأخّرتِ كثيرًا الليلة... أين كنتِ؟"  

ردّ فيكتور دون أن يلتفت: "ذهبت إلى المستودع، الرجال سبّبوا بعض المشاكل هناك."  

همّت للحظات وهي تتابع تدليك كتفيه برفق، ثم دارت حوله بهدوء حتى وقفت أمامه، نظرت في عينيه، ثم خفضت نظرها إلى معصمه لتلاحظ ساعة يده.  

مدّت يدها ببطء نحو ساعته، وقالت: "هذه الساعة… لم أرَك ترتديها منذ زمن."  

فيكتور ينظر إلى ساعته، ثم يرفع عينيه نحوها:  

"وجدتها قبل أيام، كانت… في أحد الأدراج القديمة."  

"حقًا؟" مرّرت يدها فوق معصمه، ثم أضافت: "أي درج؟"  

ردّ فيكتور: "درج في المنزل البحري. ذاك الذي نزلنا فيه مرة بعد زفافنا، تتذكرينه؟"  

أبقت يدها لحظة فوق معصمه… ثم سحبتها بهدوء، لتقطع بذلك الحرارة الخافتة التي بدأت تتشكّل.  

ابتعدت عنه وجلست على السرير، وأخذت تفكّر : " المنزل البحري اذا.... ، ماذا تخفي هناك يا فكتور ؟ "   

تعليقات

المشاركات الشائعة