مدرسة الخير والشر | الفصل الأول
![]() |
| خريطة |
[ الفصل الاول]
[الأميرة والساحرة]
------
كانت "صوفي" تنتظر طوال حياتها أن تُختطف.
لكن في تلك الليلة، كان أطفال "غافالدون" يتقلبون في أسرتهم بخوف. فلو أخذهم مدير المدرسة، فلن يعودوا أبدًا. لن يعيشوا حياة كاملة، ولن يروا عائلاتهم مرة أخرى. كانوا يحلمون بلصٍّ ذو عيون حمراء وجسد وحش، يأتي لينتزعهم من أسرّتهم ويخنق صرخاتهم.
أما "صوفي"، فكانت تحلم بالأمراء.
تخيلت نفسها في حفلة راقصة داخل قصر أقيمت على شرفها، لتجد القاعة مليئة بمئة خاطب، ولا فتاة غيرها في المكان. لأول مرة، رأت فتيانًا يستحقونها، وهي تمر بينهم. شعرهم لامع وكثيف، وعضلاتهم مشدودة تحت القمصان، وبشرتهم ناعمة وبرونزية، جميلون ومهتمون كما يجب أن يكون الأمراء. لكنها توقفت عند واحد بدا أفضل من الجميع: عيناه زرقاوان متألقتان، وشعره أبيض كالثلج... بدا وكأنه نهاية سعيدة.
وفجأة، اخترق جدار القاعة مطرقة ضخمة، وحطّمت الأمراء إلى شظايا.
فتحت "صوفي" عينيها على صباح جديد. المطرقة كانت حقيقية. أما الأمراء... فلم يكونوا سوى حلم.
قالت وهي تتأفف:
"أبي، إن لم أنم تسع ساعات، تنتفخ عيناي."
كان والدها يثبت قضيبًا مشوّهًا فوق نافذتها، التي أصبحت الآن مغطاة تمامًا بالأقفال والمسامير والشوك.
قال وهو يطرق بقوة:
"الكل يثرثر بأنك ستُختطفين هذا العام. ينصحونني بقص شعرك وتوسيخ وجهك، وكأنني أصدق هذه الخرافات. لكن لا أحد سيدخل هنا الليلة، هذا مؤكد."
فركت "صوفي" أذنيها من الضجيج، ونظرت بحزن إلى نافذتها الجميلة التي تحولت إلى شيء يشبه عرين ساحرة.
تمتمت:
"الأقفال... لماذا لم يفكر أحد بها من قبل؟"
رد والدها، وهو يمسح العرق عن شعره الفضي:
"لا أفهم لماذا يظنون أنكِ أنتِ. إن كان مدير المدرسة يبحث عن الطيبة، فليأخذ ابنة غونيلدا."
تصلّبت "صوفي":
"بيل؟"
قال باستياء:
"تلك الفتاة مثالية. تحضر لوالدها وجبات منزلية إلى المطحنة، وتعطي الفائض للعجوز المتسولة في الساحة."
شعرت "صوفي" بوخز في كلام والدها. لم تطبخ له يومًا وجبة كاملة، حتى بعد وفاة والدتها. كانت ترى أن الزيوت والدخان يفسدون بشرتها، لكنها تعلم أن الأمر يؤلمه.
ومع ذلك، لم يكن والدها جائعًا. كانت تقدم له أطعمتها المفضلة: شمندر مهروس، حساء بروكلي، هليون مسلوق، سبانخ مطهو على البخار. لم يتحول إلى بالون مثل والد "بيل"، لأنها لم تكن تقدم له يخنات لحم أو فطائر الجبن.
أما العجوز في الساحة، فكانت تدّعي الجوع يومًا بعد يوم، لكنها في نظر "صوفي" مخادعة. وإن كانت "بيل" تساعدها، فهي ليست طيبة، بل شر خالص.
ابتسمت "صوفي" لوالدها وقالت:
"كما قلت، كلها خرافات." ثم نهضت من السرير وصفقت باب الحمام خلفها.
وقفت أمام المرآة. الاستيقاظ المفاجئ ترك أثره. شعرها الذهبي الطويل فقد لمعانه، وعيناها الخضراوان بدتا باهتتين، وشفاهها الحمراء جافة قليلًا. حتى بشرتها الخوخية فقدت بريقها.
لكنها فكرت: "ما زلت أميرة."
والدها لا يرى تميّزها، لكن والدتها كانت تؤمن بذلك.
قالت لها في لحظاتها الأخيرة:
"أنتِ جميلة أكثر من أن تنتمي لهذا العالم، يا صوفي."
رحلت والدتها إلى مكان أفضل، والآن حان دور "صوفي".
الليلة ستُؤخذ إلى الغابة.
الليلة ستبدأ حياتها الجديدة.
الليلة ستعيش حكايتها الخيالية.
ولذا، عليها أن تبدو كأميرة حقيقية.
بدأت بروتينها الجمالي:
فركت وجهها ببيض السمك، رغم رائحته الكريهة، لأنه يمنع البثور.
ثم دلكت بشرتها بهريس اليقطين، وغسلتها بحليب الماعز، ثم وضعت قناعًا من الشمام وصفار بيض السلحفاة.
وأثناء انتظار القناع ليجف، فتحت كتاب قصص، وارتشفت عصير الخيار لتبقى بشرتها ناعمة.
وصلت إلى الجزء المفضل لديها:
الساحرة الشريرة تُدحرج في برميل مليء بالمسامير، حتى لا يبقى منها سوى سوار مصنوع من عظام الأولاد الصغار.
حدّقت "صوفي" في السوار البشع، وفكرت في الخيار.
ماذا لو لم يكن هناك خيار في الغابة؟
ماذا لو استهلكته الأميرات الأخريات؟
لا خيار؟ ستذبل، ستجف، ست—
تساقطت رقائق الشمام الجافة على الصفحة.
نظرت إلى المرآة، فرأت جبينها متجعدًا من القلق.
نومها السيئ، والآن التجاعيد؟
بهذا المعدل، ستتحول إلى ساحرة بحلول الظهيرة.
أرخَت وجهها، وطردت أفكار الخضروات من رأسها.
أما بقية روتينها الجمالي، فيمكنه أن يملأ عشرات كتب القصص.
يكفي أن نذكر أنه تضمن ريش الإوز، بطاطا مخللة، حوافر خيول، كريمة الكاجو، وقارورة من ماء الورد.
بعد ساعتين من العناية الصارمة بجمالها، خرجت "صوفي" من المنزل بفستان وردي خفيف، وحذاء زجاجي يلمع، وضفيرة متقنة لا تشوبها شائبة. بقي لها يوم واحد فقط قبل وصول مدير المدرسة، وكانت تنوي استغلال كل دقيقة لتذكيره لماذا يجب أن يختارها هي، لا "بيل" ولا "تابيثا" ولا "سابرينا" ولا أي فتاة أخرى تتظاهر بالكمال.
أفضل صديقات "صوفي" تعيش في مقبرة. وبما أن "صوفي" تكره كل ما هو كئيب، رمادي، ومظلم، كان من المتوقع أن تستضيف صديقتها في كوخها المضيء أو أن تبحث عن صديقة جديدة. لكنها، رغم كل شيء، كانت تصعد يوميًا إلى منزل على قمة "تل القبور"، محافظة على ابتسامة مصطنعة، لأن هذا هو جوهر "العمل الصالح" كما ترى.
لتصل إلى هناك، سارت قرابة ميل من الأكواخ المشرقة قرب البحيرة، ذات الأسقف الخضراء والأبراج المشمسة، نحو أطراف الغابة المظلمة.
كانت تسمع طرقات المطارق في الأزقة، حيث الآباء يغلقون الأبواب، والأمهات يملأن الدمى بالخيش، والأطفال منحنين على الشرفات يقرأون القصص الخيالية بجنون.
هذا المشهد لم يكن غريبًا، فالأطفال في "غافالدون" لا يفعلون شيئًا سوى قراءة الحكايات.
لكن اليوم، لاحظت "صوفي" نظراتهم المتوترة، يلتهمون الصفحات وكأن حياتهم تعتمد عليها.
قبل أربع سنوات، رأت نفس الذعر، لكن لم يكن دورها بعد. مدير المدرسة لا يأخذ إلا من تجاوزوا الثانية عشرة، أولئك الذين لم يعودوا قادرين على التظاهر بأنهم أطفال.
والآن... جاء دورها.
بينما كانت تصعد التل وسلة النزهة في يدها، شعرت بحرارة في ساقيها. هل أصبحت أكثر سماكة؟
كل الأميرات في القصص لديهن أجسام مثالية، لا مكان فيها لساقين ممتلئتين أو أنف معقوف أو قدم كبيرة.
شعرت بالقلق، فبدأت تعدّ أعمالها الصالحة من اليوم السابق لتشتت نفسها:
- أولًا، أطعمت الإوز في البحيرة مزيجًا من العدس والكراث (ملين طبيعي يعالج آثار الجبن الذي يرميه الأطفال الأغبياء).
- ثم تبرعت بغسول وجه مصنوع من خشب الليمون لدار الأيتام (وأصرت على أن "العناية بالبشرة هي أعظم عمل خيري").
- وأخيرًا، علّقت مرآة في حمام دار العبادة ، ليعود الناس إلى المقاعد بمظهر أنيق.
هل هذا كافٍ؟ هل ينافس فطائر "بيل" المنزلية وإطعامها للعجائز؟
انتقلت أفكارها إلى الخيار.
ماذا لو لم تجد خيارًا في الغابة؟
هل يمكنها تهريب كمية خاصة؟
ما زال لديها وقت لتجهز حقيبتها قبل حلول الليل.
لكن الخيار ثقيل... هل سترسل المدرسة خدمًا لحمله؟
ربما يجب أن تعصره مسبقًا—
"إلى أين تذهبين؟"
استدارت "صوفي"، فرأت "رادلي" يبتسم بأسنانه البارزة وشعره الأحمر الباهت.
هو لا يسكن قرب "تل القبور"، لكنه اعتاد ملاحقتها طوال اليوم.
قالت ببرود:
"لزيارة صديقة."
رد ساخرًا:
"لماذا تصادقين الساحرة؟"
"ليست ساحرة."
"لا تملك أصدقاء وهي غريبة الأطوار. هذا يجعلها ساحرة."
كادت "صوفي" ترد بأن هذا ينطبق عليه أيضًا، لكنها اكتفت بابتسامة تذكّره بأنها قامت بعمل صالح بمجرد تحمّل وجوده.
قال:
"مدير المدرسة سيأخذها إلى مدرسة الشر، وستحتاجين إلى صديقة جديدة."
ردت "صوفي"، وهي تشد فكها:
"هو يأخذ طفلين."
قال بثقة:
"سيأخذ بيل أيضًا. لا أحد طيب مثل بيل."
اختفت ابتسامة "صوفي".
قال "رادلي":
"لكن يمكنني أن أكون صديقك الجديد."
ردت بحدة:
"لدي ما يكفي من الأصدقاء حاليًا."
احمرّ وجه "رادلي" حتى صار بلون التوت.
قال متلعثمًا: "آه، صحيح... كنت فقط أظن..."
ثم هرب ككلب طُرد من المكان.
راقبت "صوفي" شعره المتناثر وهو يبتعد عن التل.
فكرت: "أحسنتِ، لقد أفسدتِ كل شيء الآن."
أشهر من الأعمال الطيبة والابتسامات المصطنعة، والآن أفسدتها من أجل "رادلي" الصغير.
لماذا لم تسعده؟
لماذا لم تقل ببساطة: "سيشرفني أن تكون صديقي!" وتمنحه لحظة يتذكرها طوال حياته؟
كانت تعلم أن هذا هو التصرف الحكيم، خاصة وأن مدير المدرسة يراقبها بدقة، كما يفعل "سانتا" ليلة عيد الميلاد.
لكنها لم تستطع.
هي جميلة، و"رادلي" قبيح.
فقط الأشرار يخدعون الآخرين بالأمل الكاذب.
بالتأكيد مدير المدرسة سيفهم ذلك.
فتحت "صوفي" بوابة المقبرة الصدئة، فخدشت الأعشاب ساقيها.
على قمة التل، كانت شواهد القبور المتعفنة تخرج من أكوام الأوراق الميتة بشكل عشوائي.
تسللت بين القبور المظلمة والأغصان المتحللة، تعدّ الصفوف بعناية.
لم تنظر يومًا إلى قبر والدتها، حتى في الجنازة، ولن تبدأ اليوم.
عند الصف السادس، ثبتت نظرها على شجرة بتولا تبكي، وذكّرت نفسها بالمكان الذي ستكون فيه غدًا.
في وسط أكثر بقعة ازدحامًا بالقبور، وقف منزل "تل القبور رقم 1".
لم يكن مغلقًا بالألواح أو الأقفال مثل أكواخ البحيرة، لكن هذا لم يجعله أكثر ترحيبًا.
الدرج المؤدي إلى الشرفة كان يلمع بلون العفن الأخضر.
أشجار البتولا الميتة والكروم كانت تلتف حول الخشب الداكن، وسقف المنزل الحاد الزاوية، الأسود والنحيف، بدا كقبعة ساحرة.
طرقت الباب، مستعدة للمواجهة.
جاء صوت خشن من الداخل:
"ابتعدي."
قالت "صوفي" بدلال:
"هذه ليست طريقة تتحدث بها إلى أفضل صديقة لك."
ردت:
"أنتِ لستِ صديقتي المفضلة."
سألت "صوفي"، وهي تتساءل إن كانت "بيل" قد وصلت إلى هنا:
"ومن تكون إذًا؟"
ردت بحدة:
"ليس من شأنك."
تنفست "صوفي" بعمق. لا تريد تكرار ما حدث مع "رادلي".
قالت:
"استمتعنا كثيرًا أمس، يا أغاثا. ظننت أننا سنكرر ذلك اليوم."
ردت أغاثا:
"لقد صبغتِ شعري بالبرتقالي."
تابعت :
"أنتِ دائمًا تجربين كريماتك وخلطاتك عليّ لترين إن كانت فعالة."
"لكننا أصلحنا الأمر، أليس كذلك؟" ، اضافت : "أليس هذا ما يفعله الأصدقاء؟ يساعدون بعضهم؟"
قالت أغاثا بصوت خافت:
"لن أكون جميلة مثلك أبدًا."
حاولت "صوفي" أن تقول شيئًا لطيفًا، لكنها تأخرت، وسمعت خطوات غاضبة تبتعد.
صرخت:
"هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نكون أصدقاء!"
قطة مألوفة، صلعاء ومجعدة، زمجرت في وجهها من الشرفة.
استدارت "صوفي" نحو الباب بسرعة:
"أحضرت بسكويت!"
توقفت الخطوات.
"حقيقي أم من صنعك؟"
تراجعت "صوفي" من القطة الزاحفة:
"طري وزبدي، تمامًا كما تحبين!"
القطة بصقت.
"أغاثا، دعيني أدخل—"
"ستقولين إنني أُصدر رائحة."
"أنتِ لا تُصدرين رائحة."
"فلماذا قلتِ ذلك آخر مرة؟"
"لأنك كنتِ تُصدرين رائحة وقتها! أغاثا، القطة تبصق—"
قالت "صوفي":
"ربما تشمّ القطة نوايا خفية."
كشّرت القطة عن مخالبها.
صرخت "صوفي":
"أغاثا، افتحي الباب!"
قفزت القطة نحو وجهها، فصرخت "صوفي".
لكن يدًا تدخلت بسرعة وصفعت القطة بعيدًا.
، فرأت "أغاثا" تقول ببرود:
"القط ’ريبر‘ نفدت منه الطيور."
كان شعر "أغاثا" الأسود يبدو كأنه مغطى بالزيت، وفستانها الأسود الضخم يشبه كيس بطاطس، لا يخفي بشرتها الشاحبة وعظامها البارزة.
وعيناها المنتفختان مثل عيون الدعسوقة تبرزان من وجهها الغائر.
قالت "صوفي" محاولة التودد:
"ظننت أننا سنذهب في نزهة."
اتكأت "أغاثا" على الباب وقالت:
"ما زلت أحاول فهم لماذا أنتِ صديقتي."
ردت "صوفي":
"لأنك لطيفة ومضحكة."
قالت "أغاثا":
"أمي تقول إنني حادة المزاج وكئيبة. إذًا إحداكن تكذب."
مدّت يدها إلى سلة "صوفي"، ورفعت المنديل لتكشف عن بسكويت نخالة جاف بلا زبدة.
نظرت إليها باحتقار، ثم انسحبت إلى داخل المنزل.
سألت "صوفي":
"يعني لا نتمشى؟"
بدأت "أغاثا" تغلق الباب، لكنها توقفت عندما رأت ملامح الحزن على وجه "صوفي"، وكأنها كانت تتطلع للنزهة بنفس القدر.
قالت بتردد:
"نزهة قصيرة."
ثم مرّت بجانبها وقالت:
"لكن إن قلتِ شيئًا متعجرفًا أو سطحيًا أو متفاخرًا، سأجعل ’ريبر‘ يتبعك للبيت."
ركضت "صوفي" خلفها وقالت:
"لكن هذا يعني أنني لن أتكلم!"
-----------
بعد أربع سنوات، وصلت الليلة المشؤومة: الليلة الحادية عشرة من الشهر الحادي عشر.
في ضوء الشمس المتأخر، تحولت الساحة إلى خلية نحل تستعد لوصول مدير المدرسة.
الرجال كانوا يشحذون السيوف، ينصبون الفخاخ، ويخططون للحراسة الليلية.
أما النساء، فصفّوا الأطفال وبدأن العمل:
- الجميلون قُصّت شعورهم، سُوّدَت أسنانهم، ومزّقت ملابسهم لتبدو رثة.
- القبيحون نُظّفوا جيدًا، وأُلبسوا ألوانًا زاهية، ووُضعت عليهم أغطية وجه.
- الأمهات ترجّين الأطفال المؤدبين أن يسبّوا أو يركلوا إخوتهم، بينما رشوْا المشاغبين ليصلّوا في دار العبادة.
- والبقية غنّوا نشيد القرية: "مباركون هم العاديون."
الخوف انتشر كضباب معدٍ.
في زقاق مظلم، تبادل الجزار والحداد كتب القصص بحثًا عن أدلة لإنقاذ أبنائهم.
تحت برج الساعة المائل، كانت أختان تكتبان أسماء الأشرار في القصص بحثًا عن نمط.
مجموعة أولاد قيّدوا أنفسهم بالسلاسل، بعض الفتيات اختبأن فوق سطح المدرسة، وطفل مقنّع قفز من بين الشجيرات ليخيف أمه، فنال صفعة فورية.
حتى العجوز المتشردة شاركت، تقفز أمام نار ضعيفة، وتصيح:
"احرقوا كتب القصص! احرقوها كلها!"
لكن لا أحد استمع، ولم تُحرق أي كتب.
حدّقت "أغاثا" في كل هذا بدهشة:
"كيف يمكن لبلدة كاملة أن تصدق القصص الخيالية؟"
ردت "صوفي":
"لأنها حقيقية."
توقفت "أغاثا":
"لا يمكن أن تصدقي أن الأسطورة صحيحة فعلًا."
قالت "صوفي" بثقة:
"بالطبع أصدق."
"أن مدير مدرسة يخطف طفلين، يأخذهم إلى مدرسة، أحدهما يتعلم الخير، والآخر الشر، ثم يتخرجان ليصبحا شخصيات في القصص؟"
"يبدو منطقيًا."
قالت "أغاثا" بسخرية:
"أخبريني إن رأيتِ فرنًا."
"لماذا؟"
قالت "أغاثا" بسخرية:
"أريد أن أضع رأسي في الفرن. والآن، أخبريني، ماذا يعلّمون في هذه المدرسة بالضبط؟"
ردت "صوفي" بحماس:
"في مدرسة الخير، يعلّمون الأولاد والبنات مثلي كيف يصبحون أبطالًا وأميرات، كيف يحكمون الممالك بعدل، وكيف يجدون نهاية سعيدة.
أما في مدرسة الشر، فيعلّمونك كيف تصيرين ساحرة شريرة أو غولًا أحدب، كيف تلقي اللعنات وتستخدمين التعويذات الشريرة."
قهقهت "أغاثا":
"تعويذات شريرة؟ من كتب هذا؟ طفل عمره أربع سنوات؟"
قالت "صوفي":
"أغاثا، الأدلة موجودة في كتب القصص! يمكنك رؤية الأطفال المفقودين في الرسومات! ’جاك‘، ’روز‘، ’رابونزل‘... كلهم حصلوا على قصصهم الخاصة—"
قاطعتها "أغاثا":
"أنا لا أرى شيئًا، لأنني لا أقرأ تلك الكتب الغبية."
ردت "صوفي" بحدة:
"إذًا لماذا هناك كومة منها بجانب سريرك؟"
عبست "أغاثا":
"من قال إن هذه الكتب حقيقية أصلًا؟ ربما هي خدعة من بائع الكتب. أو وسيلة من الشيوخ لإبعاد الأطفال عن الغابة.
مهما كان التفسير، فهو ليس مدير مدرسة، ولا تعويذات شريرة."
سألت "صوفي":
"إذًا من يخطف الأطفال؟"
ردت "أغاثا":
"لا أحد. كل أربع سنوات، يتسلل طفلان أغبياء إلى الغابة ليخيفوا أهلهم، ثم يضيعون أو تأكلهم الذئاب، وهكذا تستمر الأسطورة."
قالت "صوفي":
"هذا أغبى تفسير سمعته في حياتي."
ردت "أغاثا":
"لا أظن أنني الغبية هنا."
كلمة "غبية" أشعلت غضب "صوفي".
قالت متحدية:
"أنتِ فقط خائفة."
ضحكت "أغاثا":
"حقًا؟ ولماذا أكون خائفة؟"
قالت "صوفي" بثقة:
"لأنك تعرفين أنك ستأتين معي."
توقفت "أغاثا" عن الضحك.
ثم انتقل نظرها إلى الساحة خلف "صوفي".
كان القرويون يحدقون بهما وكأنهم يرون حلًّا للغز: الخير في الوردي، والشر في الأسود. الثنائي المثالي لمدير المدرسة.
تجمّدت "أغاثا"، تحدّق في العيون الخائفة التي تخترقها.
أول فكرة خطرت لها: بعد الغد، يمكنها وصوفي أن يتنزها بسلام.
أما "صوفي"، فكانت تلاحظ الأطفال وهم يحفظون ملامح وجهها، تحسبًا لظهورها في كتب القصص يومًا ما.
وفكرت: هل ينظرون إلى "بيل" بنفس الطريقة؟
ثم، وسط الحشد، رأتها.
رأسها محلوق، فستانها متسخ، و"بيل" راكعة في التراب، تلطخ وجهها بالطين بجنون.
شهقت "صوفي".
فـ"بيل" كانت مثل الآخرين.
تريد زواجًا عاديًا من رجل سيصبح سمينًا، كسولًا، ومتطلبًا.
تريد أيامًا مملة من الطبخ، والتنظيف، والخياطة.
تريد أن تجمع الروث، وتحلب الأغنام، وتذبح االدجاج الصارخة.
تريد أن تتعفّن في "غافالدون" حتى تتبقّع بشرتها وتسقط أسنانها.
مدير المدرسة لن يأخذ "بيل"، لأنها ليست أميرة.
إنها... لا شيء.
منتشية، ابتسمت "صوفي" بفخر للقرويين البائسين، وتلذذت بنظراتهم وكأنها مرايا تلمع.
قالت "أغاثا":
"لنذهب."
استدارت "صوفي"، فرأت عيني "أغاثا" معلّقتين على الحشد.
"إلى أين؟"
"بعيدًا عن الناس."
-------
ومع غروب الشمس وتحولها إلى قرص أحمر، جلست فتاتان، واحدة جميلة والأخرى قبيحة، جنبًا إلى جنب على ضفة البحيرة.
كانت "صوفي" تضع الخيار في كيس حريري، بينما "أغاثا" ترمي أعواد ثقاب مشتعلة
بعد أن أشعلت "أغاثا" عود الثقاب العاشر ورمته في الماء، رمقتها "صوفي" بنظرة.
قالت "أغاثا" بهدوء:
"هذا يريحني."
كانت "صوفي" تحاول أن تجد مكانًا لآخر قطعة خيار في الكيس.
"لماذا قد ترغب فتاة مثل ’بيل‘ بالبقاء هنا؟ من يختار هذا المكان بدلًا من قصة خيالية؟"
ردت "أغاثا" بسخرية:
"ومن يختار أن يترك عائلته إلى الأبد؟"
قالت "صوفي":
"تقصدين... باستثنائي، طبعًا."
وساد الصمت بينهما.
ثم سألت "صوفي":
"هل تتساءلين أحيانًا إلى أين ذهب والدك؟"
ردت "أغاثا":
"قلت لكِ، رحل بعد ولادتي."
"لكن إلى أين؟ نحن محاطون بالغابات! كيف يختفي فجأة؟"
استدارت "صوفي" بحماس:
"ربما وجد طريقًا إلى القصص! ربما اكتشف بوابة سحرية! ربما ينتظركِ في الجانب الآخر!"
قالت "أغاثا" ببرود:
"أو ربما عاد إلى زوجته، وتظاهر أنني لم أوجد، ومات قبل عشر سنوات في حادث طاحونة."
عضّت "صوفي" شفتها وعادت لترتيب الخيار.
قالت:
"والدتكِ لا تكون في المنزل حين أزورك."
ردت "أغاثا":
"صارت تذهب إلى المدينة. لا يوجد مرضى كفاية في البيت. ربما بسبب الموقع."
قالت "صوفي" مجاملة، وهي تعرف أن لا أحد يثق بوالدة "أغاثا" حتى لعلاج طفح جلدي:
"أكيد هذا السبب. لا أظن أن وجود مقبرة بجانب البيت يبعث على الراحة."
قالت "أغاثا":
"للمقابر مزاياها. لا جيران فضوليين، لا بائعين مزعجين، ولا ’أصدقاء‘ غريبي الأطوار يأتون بأقنعة وجه وبسكويت حمية، ويخبرونك أنك ستذهبين إلى مدرسة الشر في أرض الجنيات السحرية."
ثم رمت عود ثقاب آخر بابتسامة ساخرة.
وضعت "صوفي" الخيار جانبًا.
"إذًا أنا غريبة الأطوار الآن؟"
ردت "أغاثا":
"ومن طلب منكِ أن تأتي؟ كنت مرتاحة تمامًا لوحدي."
قالت "صوفي":
"لكنّكِ دائمًا تفتحين لي الباب."
ردت "أغاثا":
"لأنكِ تبدين وحيدة دائمًا. وأشعر بالشفقة عليكِ."
اتسعت عينا "صوفي":
"تشفقين عليّ؟ أنتِ محظوظة أن هناك من يزوركِ حين لا يفعل أحد. محظوظة أن شخصًا مثلي يكون صديقتكِ. محظوظة أنني إنسانة طيبة."
صرخت "أغاثا":
"كنت أعلم! أنا ’العمل الصالح‘ في قصتك! مجرد دمية في خيالك السخيف!"
سكتت "صوفي" طويلًا.
ثم اعترفت أخيرًا:
"ربما صرتُ صديقتكِ لألفت نظر مدير المدرسة... لكن الأمر تغيّر الآن."
قالت "أغاثا" بامتعاض:
"لأنني كشفتكِ."
ردت "صوفي":
"لأنني أحبكِ."
استدارت "أغاثا" نحوها.
قالت "صوفي" وهي تنظر إلى يديها:
"لا أحد يفهمني هنا... لكنكِ تفعلين. ترين حقيقتي. لهذا كنت أعود إليكِ دائمًا. لم تعودي ’عملي الصالح‘ يا أغاثا."
رفعت نظرها إليها:
"أنتِ صديقتي."
احمرّ عنق "أغاثا".
سألتها "صوفي" بقلق:
"ما بكِ؟"
انكمشت "أغاثا" في فستانها وقالت بتردد:
"فقط... أنا، أمم... لست معتادة على وجود أصدقاء."
ابتسمت "صوفي" وأمسكت بيدها:
"حسنًا، الآن سنكون صديقتين في مدرستنا الجديدة."
تأففت "أغاثا" وسحبت يدها:
"افترضي أنني انحدرتُ لمستوى ذكائكِ وصدّقت كل هذا— لماذا سأذهب إلى مدرسة الأشرار؟ لماذا قرر الجميع أنني سيدة الشر؟"
تنهدت صوفي:
"لا أحد قال إنك شريرة يا أغاثا... أنتِ فقط مختلفة."
ضيّقت أغاثا عينيها:
"مختلفة كيف؟"
قالت صوفي:
"أولًا، أنتِ لا ترتدين إلا الأسود."
ردت أغاثا ببساطة:
"لأنه لا يتّسخ بسهولة."
"أنتِ لا تخرجين من المنزل أبدًا."
"لأن الناس لا يحدقون بي هناك."
"وفي مسابقة ’اصنع قصة‘، قصتكِ انتهت بأن النسور أكلت ’سنو وايت‘، و’سندريلا‘ غرقت في حوض الاستحمام."
قالت أغاثا:
"ظننت أنها نهاية أفضل."
"أهديتني ضفدعًا ميتًا في عيد ميلادي!"
"لأذكّرك أننا جميعًا نموت ونُدفن ونُؤكل من الديدان، لذا علينا أن نستمتع بأعياد ميلادنا ما دمنا أحياء. اعتقدت أنه هدية ذات معنى."
"وفي الهالوين، تنكّرتِ كعروس!"
"الزفافات مخيفة."
حدّقت بها صوفي بدهشة.
قالت أغاثا بتحدٍ:
"حسنًا، أنا مختلفة قليلًا. وماذا في ذلك؟"
ترددت صوفي، ثم قالت:
"فقط... في القصص الخيالية، المختلف غالبًا ما يتحوّل إلى... شرير."
تألمت أغاثا وقالت:
"يعني أنكِ ترينني سأصبح ساحرة ؟"
ردت صوفي بلطف:
"أقول إننا، مهما حدث، سنختار بأنفسنا كيف تنتهي قصتنا."
سكتت أغاثا قليلًا، ثم لمست يد صوفي وسألتها:
"لماذا ترغبين بشدة في الرحيل من هنا؟ لماذا تصدقين قصصًا تعرفين أنها غير حقيقية؟"
نظرت صوفي إلى عيني أغاثا الكبيرة الصادقة، ولأول مرة، سمحت للشك أن يتسلل إليها.
قالت بصوت مرتجف:
"لأنني لا أستطيع أن أعيش هنا... لا أستطيع أن أعيش حياة عادية."
ابتسمت أغاثا وقالت:
"غريب... هذا بالضبط ما يجعلني أحبكِ."
ابتسمت صوفي:
"لأنكِ لا تستطيعين أيضًا؟"
ردت أغاثا:
"لأنكِ تجعلينني أشعر أنني عادية... وهذا الشيء الوحيد الذي أردته دائمًا."
رنّ جرس الساعة بصوت عميق في الوادي، السادسة أو السابعة، فقد فقدتا الإحساس بالوقت.
ومع تلاشي الصدى وسط ضجيج الساحة البعيدة، تمنّت كل من صوفي وأغاثا أمنية واحدة:
أن تبقى كل واحدة منهما بجانب الأخرى بعد يوم واحد فقط...
أينما كان ذلك.


تعليقات
إرسال تعليق