كان يا مكان قلبٌ منهار ١٩
كانت والدة إيفانجلين قد أخبرتها ذات مرة أن في الشمال خمسة أنواع مختلفة من القلاع: قلعة الحصن، القلعة المسحورة، القلعة المسكونة، القلعة المدمّرة، وقلعة القصص الخيالية. لم تكن إيفانجلين قد رأت كل هذه الأنواع بعد، لكنها ما إن خرجت من عربة جاك ورأت المبنى الجميل أمامها، حتى خطرت في بالها عبارة "قلعة القصص الخيالية".
كانت القلعة مبنية من طوب بنفسجي لامع، بأسطح زرقاء مائلة، ونوافذ محاطة باللون الوردي يتسلل منها ضوء ذهبي ساطع. تخيلت إيفانجلين أن هذا هو المكان الذي تُولد فيه الحكايات. لكنها سرعان ما تمنت أن تكون مخطئة، لأن جاك لا يجلب إلا الخراب لما يلمسه.
سألته: "هل جئت بي إلى هنا لتدمير نهاية سعيدة لشخص ما؟"
نظر جاك إلى القلعة بنظرة حادة كالسكاكين، وبدأ يمشي على الطريق المرصوف بالحجارة. قال: "لن تجدي أي نهايات سعيدة هنا. سيدة بيت فورتونا تعيش داخل هذه الجدران السخيفة. تحب أن تتظاهر بأنها جدة طيبة من القصص، لكنها في الحقيقة لا تختلف عن السم. إذا أردتِ الخروج من هذه الزيارة سالمة، فحين تقابلينها، قبّلي يدها أو خدّها بسرعة."
سألته إيفانجلين: "لماذا؟ ماذا تريد منها؟"
نظر إليها جاك وكأنه لا يصدق أنها تظن أنه سيجيب.
بالطبع لم تكن تتوقع منه جوابًا، لكنها حاولت. فسألته بإلحاح: "هل سيؤذيها هذا؟"
تنهد جاكس بضيق.
"بمجرد أن تقابلي سيدة البيت، لن تقلقي بشأن إيذائها."
"لكن—"
"يا ثعلبتي الصغيرة." وضع إصبعه البارد على شفتيها، يسكت احتجاجها بلطف لم يظهره في العربة. وكأنه يحاول خداعها بذلك اللين.
"دعينا نتجاوز مرحلة الجدال. أعلم أنك لا ترغبين في هذا. أعلم أنك لا تريدين إيذاء أحد، وأن قلبك البشري الحساس يحاول أن يجعلك تشعرين بالذنب. لكنك ستنفذين ما طُلب منك لتسديد دينك لي، وإن لم تفعلي... ستموتين."
"وإن متُّ، فلن أتمكن من الزواج بالأمير أبولو."
"حينها سأجد شخصًا آخر ليقوم بالمهمة. الجميع قابل للاستبدال."
مرر إصبعه على شفتها السفلى مرة، ثم ابتعد بخفة وسار على الطريق المرصوف نحو المنزل.
كانت تتمنى لو تستطيع أن تستدير وتسلك طريقًا معاكسًا. لم تكن تؤمن تمامًا بأنها قابلة للاستبدال، لكنها لم تنسَ كيف تركها جاك عندما تحولت إلى حجر.
ربما لم تصدق تمامًا أنها لا تهم، لكنها كانت تؤمن بأن جاك لن يتردد في تركها تتأذى أو تُسحق إن كان ذلك سيحقق له ما يريد.
قالت وهي تلهث محاولة اللحاق به:
"الآن فهمت لماذا تتجاهل الجميع في الحفلات. لو تحدث إليك أحد فعلًا، لتوقفوا عن الهمس حول غموضك وبدأوا يتكلمون عن مدى كراهيتهم لك."
رمقها جاك بنظرة جانبية حادة.
"القسوة لا تليق بك، يا ثعلبتي الصغيرة. وأنا لا أتجاهل الجميع. فقبل أيام، أجريت حديثًا لطيفًا مع أختك غير الشقيقة."
"ابتعد عنها." حذّرته إيفانجلين.
ابتسم جاك ابتسامة ملتوية ، وكأنه ينتظر منها أن تقع في الفخ وتسأله: لماذا حذّرها؟
كان السؤال على طرف لسانها، لكنها لم ترد أن تشك في أختها غير الشقيقة مجددًا. ماريسول لم تكن من جمّد حفل الزفاف أو سحر أميرًا ليحبها. لقد علقت بها سمعة ملعونة لا تستحقها، وهي بالضبط ما كانت إيفانجلين لتصبح عليه لو أنها تربّت على يد أغنيس بدلًا من والديها.
قال جاك: "أراهن أنك تتجاهلينني لأنك تعرفين مسبقًا أنها تغار منك."
"توقف عن هذا"، قالت إيفانجلين. "لن أسمح لك بزرع الشك بيننا."
ردّ ببرود: "الشرخ موجود أصلًا. تلك الفتاة ليست صديقتك. قد تقنع نفسها بأنها تريد أن تكون كذلك، لكنها تريد ما تملكينه أكثر."
"هذا غير صحيح!" صاحت إيفانجلين. وكان بإمكانها أن تستمر في الجدال، أن تواصل الشجار مع جاك حتى نهاية الزمن. لكن لحسن حظ الزمن، كان الطريق إلى كوخ عائلة فورتونا قصيرًا، وقد وصلا بالفعل إلى الباب.
كان بلون البنفسج المغطى بالصقيع، وفي وسطه مطرقة على شكل ملاك صغير.
أمسك جاك بحلقة الملاك وطرق الباب طرقتين سريعتين.
أقسمت إيفانجلين أن الملاك عبس، وقد فهمت تمامًا شعوره.
هي الأخرى لم تكن تود أن يلمسها جاك مجددًا. شفاهها لا تزال تشعر بوخز خفيف من لمسته، وكانت تعرف أنه لو لعقت شفتيها، ستتذوق دمه مرة أخرى. لقد وسمها. والآن ينوي استخدامها.
كانت أعصابها تتلوى داخلها بينما يُفتح الباب أمامها. تساءلت مجددًا عمّا يريده جاك حقًا، وماذا سيفعل قُبيلها بسيدة بيت فورتونا.
بينما كان الخادم يقودها هي وجاك إلى الداخل، حاولت أن تفهم ما الذي يسعى إليه. وقد اتضح لها فورًا أن عائلة فورتونا ثرية للغاية. كل شيء في قلعتهم الخيالية كان ضعف حجم الأشياء في المنزل الذي نشأت فيه إيفانجلين. حتى السجاد كان سميكًا لدرجة أنه ابتلع كعوب حذائها مع كل خطوة. لكن إيفانجلين لم تكن تظن أن جاك يسعى وراء المال فقط.
راقبته عن كثب، تحديدًا عينيه، لترى إن كان يحدّق في شيء معين. قادهم الخادم عبر صف من اللوحات لأشخاص بشعر أبيض بلون الثلج وابتسامات مرسومة، قبل أن يُجلسهم أخيرًا في غرفة جلوس دافئة فيها مدفأتان من الرخام تتقدان، وبيانو من الكوارتز المصقول، ونافذة كبيرة تطل على حديقة مغطاة بالثلج. في الخارج، كانت قطة ثلجية ناعمة تقفز خلف تنين أزرق مرح يضحك ويطلق شرارات.
لكن جاك لم يرمِ حتى نظرة واحدة على المشهد أو على أي شيء جميل في الغرفة. توقف عند إحدى المدفأتين، وأسند كوعه إلى الرف، يراقبها بنظرة لا تخفي نواياه.
"لا تقلقي، يا ثعلبتي الصغيرة. قد تستمتعين بهذا."
وقبل أن تفكر كثيرًا في كيف تسللت نبرة جاك الكسولة إلى رأسها مجددًا، انفتح باب المكتب فجأة.
"أعطيكما دقيقة واحدة لتخرجا من هنا قبل أن أطلق جوبيتر وهادِز عليكما."
دخلت امرأة مسنّة الغرفة بعنف، لا بد أنها سيدة بيت فورتونا، يحيط بها كلبان رماديان بلون الفولاذ يصلان إلى خصرها.
"ليس وقت عشائهما بعد، لكنهما دائمًا جائعان للحوم أعدائي."
تنهد جاك، متصنعًا الدراما كما هي وقفته:
"تابيثا، لا حاجة للتهديدات المبالغ فيها."
ردّت المرأة ببرود:
"أؤكد لك أن تهديداتي حقيقية."
مرّت يدها المجعدة على الكلب إلى يسارها، فكشف عن أسنان لامعة حادة.
"أمامكما اثنان وأربعون ثانية الآن. كنت جادة حين قلت إنني سأقتل هذه المتطفلة إن صادفتها يومًا."
انتقلت نظرات السيدة إلى إيفانجلين.
بخدّين مرسومين بدائرتين من أحمر الخدود، وفستان بنفسجي داكن مشدود بحزام ذهبي متدلٍ، بدت المرأة كدمية باهظة الثمن. من النوع الذي يراود الناس في كوابيسهم، حين تستيقظ تلك الدمى وتقتلهم وهم نائمون.
قالت المرأة:
"من الواضح أن الصحف بالغت في وصف جمالك. لا أصدق أن أبولو اختارك بدلًا من ثيسالي. لكن بعد أن تخرجي من الصورة، سأحرص على أن يُصلح ذلك."
أرادت إيفانجلين أن تأمل بأن المرأة تمزح. لا بد أنها تمزح. فالناس الذين يعيشون في قلاع بنفسجية براقة لا يهددون ضيوفهم بإطعامهم للكلاب.
نظرت إيفانجلين بقلق نحو جاك، فوجدته يحدّق في ساعة الوقوف في الزاوية، وهي تصدر صوتها الرتيب: تك... تك... تك...
إذًا، ليست مزحة.
قالت السيدة:
"أمامك ثماني ثوانٍ."
زمجر الكلبان، وانسحبت شفاههما الرمادية عن أنياب حادة، بينما كانت صاحبتهما تعبث بفروهما القصير.
بدأ تنفس إيفانجلين يضيق.
قالت لنفسها إنهما مجرد كلبين، وليس عليها أن تقبّل أنوفهما. كل ما عليها هو تقبيل المرأة التي تداعبهما.
قالت بصوت مرتجف بينما قلبها يخفق بسرعة:
"يا لها من حيوانات جميلة."
تحركت وكأنها ستربّت عليهما، لكنها أمسكت بكتفي المرأة بدلًا من ذلك، وطبعَت قبلة على خدها الهشّ كورقة قديمة.
تصلّبت السيدة، وصرخت:
"كيف تجرؤين—"
لكن كلماتها انقطعت بصوت نباح الكلبين وقفزتهما المفاجئة. ضربت قوائمهما القوية صدر إيفانجلين، وحاولت أن تتراجع، لكن الكلبين...
... كانا يلعقانها؟
لسان رطب لطخ خدها بقبلة كلبية فوضوية، بينما الآخر لحس رقبتها بمودة.
وعلى الجانب الآخر، كانت سيدة بيت فورتونا تبتسم الآن ابتسامة ناعمة، على وجهها المجعّد بلطف، وقد بدت فجأة حلوة كقلعتها البنفسجية الجميلة.
"جوبيتر! هادِز!" أمرت السيدة. "اهدؤوا يا أحبائي، دعوا ضيفتنا الثمينة وشأنها."
أطاع الكلبان فورًا، وعادا للوقوف على قوائمهما الأربع.
ثم احتضنت السيدة إيفانجلين بعناق دافئ ككوكيز خارجة للتو من الفرن، أو بطانية محبوكة يدويًا. ولأول مرة، شعرت إيفانجلين بالامتنان لسحر جاك، لأنه من الواضح أن هذا التحول كان بفضله. القبلة حوّلت السيدة من دمية قاتلة إلى جدة حنونة.
قالت السيدة:
"سامحي جوبيتر وهادِز، فهما لا يتصرفان بهذه الطريقة إلا عندما يكونان متحمسين جدًا لرؤية أحد. وستضطرين أيضًا لتجاوز سلوكي المشين. لو علمت أنكِ ستزورين اليوم، لأمرت الطباخ بإعداد فدج العفاريت لك."
ضحك جاك، ثم غطّى ضحكته بسعال بدا وكأنه يقول "فدج العفاريت".
تابعت السيدة حديثها بحماس:
"الفدج هو المفضل لدى ثيسالي. هل قابلتها من قبل؟ كنا نظن أن الأمير أبولو سيطلب يدها، ورغم أنها حزنت لأنه لم يفعل، أعتقد أنكما ستصبحان صديقتين عزيزتين. يمكنني إرسال عربة لإحضارها الآن."
"لا حاجة لذلك، تابيثا."
ابتعد جاك عن المدفأة وتقدّم نحو إيفانجلين بخفة غير مبالية.
"أعتقد أن ما تتوق إليه الآن الآنسة فوكس هو رؤية خزائن فورتونا."
"لا."
هزّت المرأة رأسها الفضية، بتصلّب خشبي، وكأنها لا تريد قول "لا"، لكن شيئًا أقوى من سحر جاك أجبرها على ذلك.
"لا أسمح لأحد بدخول الخزائن. أنا... أنا آسفة."
انخفضت كتفاها، وبرزت التجاعيد في وجهها بوضوح أكبر وهي تلتفت نحو إيفانجلين.
وكانت نظرتها تذكّر بشكل مزعج بأبولو.
فكلما ظن أن إيفانجلين حزينة، بدا وكأن قلبه ينسى كيف ينبض، ويبدأ باقي جسده بالانهيار معه.
تمتمت إيفانجلين نحو جاك:
"لا يعجبني هذا."
همس جاكس:
"إذًا ساعديني على إنهائه. كلما حصلت على ما أريد أسرع، استعادت هي طباعها السيئة أسرع."
تابعت السيدة كلامها:
"هناك أماكن أخرى يمكنني أن آخذكما إليها. ما رأيك بجولة في المنزل أُريك خلالها صور أحفادي المفضلين؟"
قالت إيفانجلين، رغم شعورها بوخزة ذنب لمساعدتها جاك عن طيب خاطر:
"رغم أن ذلك يبدو ممتعًا، جاك محق."
لن ينتهي هذا الأمر حتى يحقق هدفه. وكانت هذه فرصتها أيضًا لتكتشف ما الذي يسعى إليه، ولماذا يريدها أن تتزوج أبولو.
"أود رؤية الخزائن."
عضّت السيدة على شفتيها، وضغطت على مفتاح عظمي مكسور يتدلّى من عنقها. لم تكن تريد فعل ذلك، ولا حتى قليلًا. لا بد أن في خزائنها شيئًا ثمينًا جدًا أو خطيرًا للغاية.
لكن بما أن الطلب جاء مباشرة من إيفانجلين، بدا أن المرأة المسحورة عاجزة عن مقاومته.
عادت لتبدو كدمية مرة أخرى، شفاهها ترتسم عليها ابتسامة مرحة لا تتناسب أبدًا مع ارتجاف أطرافها، وهي تستدير لتقودهما نحو الخزائن.
تعليقات
إرسال تعليق