3
في تمام الثانية عشرة والنصف من اليوم التالي، تجوّل اللورد هنري ووتون في احدى الشوارع متجهًا إلى لزيارة عمه، اللورد فيرمر، ذلك العازب العجوز اللبق وإن بدا فظّ الأسلوب بعض الشيء، والذي يصفه العالم بالأناني لأنه لم يجلب لهم نفعًا يُذكر، بينما كانت الطبقة الراقية تعتبره كريمًا لأنه كان يطعم أولئك الذين يسْلونَه.
كان دبلوماسياً سابقا واعتزل العمل قبل فترة طويلة ، يملك منزلين كبيرين في المدينة، لكنه فضّل العيش في شقق مفروشة لكونها أقل إزعاجًا، وكان يتناول معظم وجباته في ناديه. وقد أولى بعض الاهتمام بإدارة مناجم فحم في مناطق من اطراف المدينة.
عندما دخل اللورد هنري الغرفة، وجد عمه جالسًا مرتديًا معطف صيد خشن، يدخن سيجارًا ويزمجر على صفحات جريدة .
"حسنًا، هنري ،" قال العجوز، "ما الذي أخرجك باكرًا هكذا؟ كنت أظن أنكم، معشر الأنيقين، لا تستيقظون قبل الثانية، ولا يُرى لكم أثر حتى الخامسة!"
"مجرد عاطفة عائلية خالصة، أؤكد لك يا عمي . أريد شيئًا منك."
"المال، على ما أظن؟" قال اللورد فيرمر عابسًا. "حسنًا، اجلس وأخبرني بما لديك. شباب هذه الأيام يظنون أن المال هو كل شيء."
"نعم،" تمتم اللورد هنري وهو يصلح وردة معلقّة في جيب معطفه، "وحين يكبرون، يعلمون أنه كذلك. لكني لا أريد مالًا. ما أريده هو معلومات."
"حسنًا، يمكنني أن أخبرك بكل ما ورد في الوثائق الرسمية البريطانية، هنري، رغم أن أولئك يثرثرون بكلام فارغ هذه الأيام."
"السيد دوريان غراي لا يظهر في الوثائق الرسمية، يا عمي ،" قال اللورد هنري بفتور.
"السيد دوريان غراي؟ من هذا؟" سأل اللورد فيرمر وهو يقطب حاجبيه الكثّين الأبيضين.
" عمي. ، أنا أعرف من هو. إنه حفيد اللورد كيلسو الأخير. كانت والدته من آل ديفيرو؛ الليدي مارغريت ديفيرو. أريد أن تخبرني عنها. كيف كانت؟ من تزوجت؟ لقد عرفتَ تقريبًا كل شخص في زمنك، لذا ربما عرفتها. إنني مهتم جدًا بالسيد غراي في الوقت الحالي، فلم يمضِ على معرفتي به وقت طويل."
"حفـيـد كيلسو!" ردّ العجوز مرددًا العبارة ــ "حفيده! طبعًا، طبعًا. كنت أعرف والدته عن كثب. أعتقد أنني حضرت حفلة تعميدها. كانت فتاة فاتنة الجمال بشكل استثنائي، مارغريت ديفيرو؛ وأثارت جنون جميع الرجال حين هربت مع شاب معدم؛ مجرد لا أحد يا سيدي، ضابط ثانٍ في قسم المشاة، أو شيء من هذا القبيل. بالتأكيد. أتذكر الأمر كله وكأنه حدث بالأمس. المسكين قُتل في مبارزة بعد زواجهما ببضعة أشهر. وكانت هناك قصة قذرة حول ذلك. قالوا إن كيلسو استأجر مغامرًا وضيعًا، وحشًا ضخم الجثة، ليُهين صهره علنًا؛ دفع له، أجل، دفع له ليقوم بذلك، وطعنه كأنه حمامة!"
تابع فيلمر : " تم التستر على الأمر، لكن، أقسم لك، كيلسو كان يأكل شرائحه وحده في النادي لفترة . قيل إنه أحضر ابنته معه، لكنها لم تكلمه بعدها قط. أوه نعم؛ كانت قضية سيئة. الفتاة ماتت أيضًا؛ ماتت خلال عام. إذًا تركت ولدًا؟ كنت قد نسيت ذلك. كيف هو هذا الفتى؟ إن كان يشبه والدته فلا بد أنه وسيـم."
"إنه وسيم جدًا،" وافق اللورد هنري.
"آمل أن يقع بين أيدٍ مناسبة،" واصل العجوز. "من المفترض أن يكون بانتظاره ثروة طائلة إن كان كيلسو قد قام بما يجب عليه. والدته أيضًا كانت تملك مالًا. كل أملاك آل سيلبي آلت إليها من جدها من الام . وكان جدها يكره كيلسو، ويعتبره كلبًا خسيسًا. وكان كذلك، بحق. جاء إلى مدريد مرة عندما كنت هناك... ، آمل أنه عامل حفيده بأفضل مما عامل الاخرين."
"لست أدري،" أجاب اللورد هنري. "أظن أن الفتى سيكون في حال جيدة. لا يزال يافعا للغاية . أعتقد أنه يمتلك أراضي عائلة سِلبـي، وقد أخبرني بذلك. وكانت والدته جميلة جدًا، أليس كذلك؟"
"مارغريت ديفيرو كانت من أجمل الكائنات التي رأيتها في حياتي، هنري . لا أفهم قط ما الذي دفعها لأن تتصرف كما فعلت. كان في وسعها الزواج بأي رجل أرادته. كان كارلينغتون مولعًا بها بجنون. لكنها كانت رومانسية بطبعها. كل نساء تلك العائلة كن كذلك. أما الرجال... فكانوا من الدرجة الثانية. لقد ركع كارلينغتون أمامها. قالها لي بنفسه. لكنها سخرت منه، ولم تكن هناك فتاة في لندن آنذاك لم تكن تسعى خلفه. "
"أنا أراهن على نساء بلدنا ضد نساء العالم أجمع، هنري ،" قال اللورد فيرمر ضاربًا الطاولة بقبضته.
تابع : "أما انهن حمقاوات اكثر من لزم ام ان ادواقهن في رجال غريبة."
قال اللورد هنري : "وداعًا، يا عمي جورج. سأتأخر عن الغداء إن بقيتُ أكثر. شكرًا لأنك زودتني بالمعلومات التي أردتها. دائمًا ما أحب أن أعرف كل شيء عن أصدقائي الجدد، ولا شيء عن القدامى."
"أين ستتناول الغداء، هنري؟"
"عند عمّتي أغاثا. لقد دعتني والسيد غراي معها. إنه برعايتها."
"هف! أخبر عمتك أغاثا، هنري، ألا تزعجني مجددًا بطلبات التبرع لمشاريعها الخيرية. لقد سئمتها. هذه السيدة تظن أنني لا أفعل شيئًا سوى توقيع الشيكات لنزواتها السخيفة."
"حسنًا، يا عمي ، سأخبرها، لكني لا اعتقد انه سيُجدي نفعًا."
تمتم العجوز بإيماءة استحسان، وقرع الجرس لمناداة خادمه. أما اللورد هنري، فمرّ عبر الرواق المنخفض إلى شارع قريب ، ومضى في طريقه نحو ساحة وسط المدينة.
كانت هذه، إذًا، حكاية نسب دوريان غراي ، امرأة فاتنة تغامر بكل شيء من أجل شغف مجنون. أسابيع قليلة من السعادة، تنتهي بجريمة بشعة. تمر شهور من الألم الخافت، ثم طفل يولد وسط العذاب. الأم ينتزعها الموت، ويُترك الطفل في العزلة، وتحت سلطة رجل مسن خالٍ من الحب. نعم؛ لقد كانت خلفية مثيرة للاهتمام..
تذكر هنري كيف اثر على غراي في الاستديوا البارحة ، حين جلس قبالته في النادي، بعينين مذعورتين وشفاه مفتوحة بمتعة خائفة، بينما . الحديث إليه كان كالعزف على كمان بديع. كان يستجيب لكل لمسة وكل رعشة في القوس.
اللورد هنري يحب إلى حدٍ مريع ممارسة التأثير. لا شيء آخر يشبهه. أن تُسقط روحك وافكارك في هيئة فاتنة، وتدعها تمكث هناك لحظة؛ ثم تسمع رؤاك الفكرية تُرد إليك؛ أن تنقل مزاجك إلى شخص آخر ، في ذلك متعة حقيقية للورد هنري.
فجأة توقّف، ونظر إلى البيوت من حوله. اكتشف أنه تجاوز منزل عمّته بمسافة، فابتسم لنفسه، واستدار عائدًا. وعندما دخل الرواق الكئيب نوعًا ما، أخبره كبير الخدم أنهم شرعوا بالغداء. سلّم قبعته وعصاه لأحد الخدم، ودخل غرفة الطعام.
"متأخر كالعادة، يا هنري !" صاحت عمّته، وهي تهز رأسها نحوه.
اختلق عذرًا سريعًا، وبعد أن أخذ المقعد الشاغر إلى جوارها، ألقى نظرة ليرى من كان هناك. انحنى دوريـان نحوه بخجل من آخر الطاولة.
وكانت تجلس في مواجهته دوقة ؛ سيدة ذات طبع طيب ومزاج حسن، محبوبة من الجميع.
وعلى يمينها جلس السير توماس بيردن، عضو برلماني سياسي...
وكان المقعد إلى يسارها يشغله السيد إرسكين من مدينة ترادلي، وهو رجل مسن يتمتع بجاذبية وثقافة ملحوظة، لكنه ــ كما شرح ذات مرة للسيدة أغاثا ــ قد وقع في عادة الصمت السيئة، بعدما قال كل ما لديه قبل أن يبلغ الثلاثين.
واخيرا تجلس إلى جواره السيدة فاندلير، إحدى أقدم صديقات عمته، سيدة مشهورة بين النساء، لكنها شديدة البؤس في مظهرها، حتى إن المرء يتذكر بها كتاب ترجم بشكل رديء.
ولحسن حظه، كان إلى جانبها اللورد فودل، شخص متوسّط الذكاء في منتصف العمر، لامع الصلعة وزاري في مجلس العموم، وكانت تتحدث إليه بطريقة شديدة الجدية، وهو الأسلوب الوحيد، كما علّق مرة، الذي يُعدّ خطيئة لا تُغتفر يقع فيها جميع الطيبين ــ ولا يفلتون منه أبدًا.
"نحن نتحدث عن دارتْمور المسكين، يا لورد هنري،" صاحت الدوقة، وهي تومئ له برقة عبر الطاولة. "هل تظن أنه سيتزوج فعلًا تلك الشابة الاميركية ؟"
"أعتقد أنه عقد عزمه على أن يطلب يدها، يا دوقة."
"يا له من أمر فظيع!" صاحت السيدة أغاثا. "حقًا، ينبغي لأحدهم أن يتدخل."
"اميركية ؟ لما اختار امراءة اميركية وهو انجليزي الاصل ؟" سألت الدوقة، رافعة يديها الكبيرتين بدهشة، ومشددة على الفعل.
. تنهدت الدوقة، وقالت بكل صراحة : .
"أتمنى لو لم يُكتشف ذلك البلد أبدًا!" صاحت. "حقًا، فتياتنا لم يعد لهنّ فرصة هذه الأيام. إنه أمر غير عادل على الإطلاق."
"يقال إن الأمريكيين الطيبين، حين يموتون، يذهبون إلى اوربا ،" قال السير توماس ضاحكًا، .
"حقًا! وماذا عن الأمريكيين السيئين، أين يذهبون عندما يموتون؟" سألت الدوقة.
"يعودون إلى أمريكا،" تمتم اللورد هنري ساخرا .
"يا إلهي!" قالت الليدي أغاثا. "ما أكثر جدالكم حول اميركا ، ، لما لا نتكلم عن بلدنا ! ، اسمعتم ماحصل في ساحل الشرقي ؟ ، قيل انهم احضروا عبيداً ليقومو باعمال الزراعة هناك ، سمعت ان النبلاء هناك يعاملون العبيد بطريقة سيئة للغاية "
التفتت اغاثا الى دوريان وقالت : " كنت افكر سيد غراي ، بما انك عازف بارع ، لما لا تعزف في حفلات وات تشابل في ساحل الشرقي ؟ "
قبل ان ينطق دوريان تدخل هنري قائلا : " لما تحملين الفتى اعباء افكارك الخيرية عمتي اغاثا ؟ ، لا تدخلي الفتى في امور مثل هذه "
ردت اغاثا : " أوه، هنري ، أنا مستاءة منك. لماذا تحاول إقناع السيد دوريان غراي ــ وهو شاب لطيف جدًا ــ أن يتخلى عن عزفه في حفلات وايت تشابل ؟ أؤكد لك أنه سيكون مفيدًا جدًّا هناك. سيعشقون عزفه."
"أنا أريده أن يعزف لي،" قال اللورد هنري مبتسمًا، ثم نظر إلى أسفل الطاولة وتلاقى بلمح البصر مع ابتسامة مشرقة يرد بها دوريان.
"لكنهم تعساء جدًا في ساحل الشرقي ! ، الا تتعاطف مع اولئك العبيد ؟ ،" تابعت الليدي أغاثا.
"أستطيع التعاطف مع كل شيء، إلا المعاناة،" قال اللورد هنري، وهو يرفع كتفيه بلا مبالاة. "لا يمكنني التعاطف معها. انها مرهقة للغاية. ينبغي أن نتعاطف مع الألوان، والجمال، وفرح الحياة. وكلما قلّ الحديث عن جراح الحياة، كان ذلك أفضل."
"مع ذلك، فالحي الشرقي مشكلة بالغة الأهمية،" علّق السير توماس، وهو يهزّ رأسه بجديّة.
"بالضبط،" أجابه اللورد هنري. "إنها مشكلة عبودية، ونحن نحاول حلّها عبر تسلية العبيد ."
حدّق السياسي نحوه بحدة. "وماذا تقترح كبديل؟"
ضحك اللورد هنري. "لا أرغب في تغيير أي شيء في إنجلترا سوى الطقس،" أجاب. "أنا راضٍ تمامًا . لكن بما أن العالم يحب فرط التعاطف، فإنني أقترح أن نلجأ إلى العلم ليُعيدنا إلى جادة الصواب. ميزة المشاعر أنها تضللنا، وميزة العلم أنه خالٍ من العاطفة."
"لكن لدينا مسؤوليات سيد هنري ، تخيل لو انك مكان اولئك المساكين ،" همست السيدة فاندلير بتردد.
"اجل ، التعاطف مع الاخرين شيء ضروري ،" كرّرت الليدي أغاثا بقلق.
نظر اللورد هنري نحو عمته اغاثا . " حسنا تعاطفكم لن يغير شيء ، كل ماستفعلونه هو وتسلية العبيد ليلة واحدة ثم يعودن للالم في صباح الغد ، اذا لم تكونوا قادرين على أحداث فرق لا فائدة من والتعاطف وثرثرة بان لكم قلوب تشعر ."
وجه نظرة للسيدة فاندلير : " اما عن مسألة ان نضع انفسنا مكان الاخرين ، تلك ليست مسائلة حقيقة ، اننا نتخيل فقط ، مثل احلام اليقطة ، وجميعنا نعرف ان احلام اليقطة لا تتحقق ابدا ، وايضا استخدام اسلوب وضع نفسك في موضع الاخرين لا تدل سوى انك تحزنين على نفسك اكثر من حزنك على اولئك العبيد "
تابع بعد ان راى الانبهار في وجههم : " لو كان تعاطفك حقيقي ،سيدة فاندلير ، ماكنتي لتحتاجي ان تضعي نفسك مكانهم كنتي ستتالمين من اجلهم فحسب "
"أنت مُريح جدًا في أحاديثك،" غردت الدوقة. "لطالما شعرت بالذنب عندما أزور عمتك العزيزة، لأنني لا أكنّ أي اهتمام للحي الشرقي. لكن من الآن فصاعدًا، سأتمكن من النظر في وجهها دون خجل."
"الخجل يليق بكِ يا دوقة،" علق اللورد هنري.
"فقط حين يكون المرء شابًا،" أجابت. "أما حين تخجل امرأة عجوز مثلي، فذلك مؤشر سيئ للغاية. آه! لورد هنري، أتمنى لو تخبرني كيف أصبح شابة مرة أخرى."
فكر قليلًا، ثم قال: "هل تتذكرين اشياء حمقاء اقترفتِها في شبابكِ، يا دوقة؟" وسألها عبر الطاولة.
"الكثير جدًا، أخشى،" صاحت.
"إذن، ارتكبيها مجددًا،" قال بجدية. "لكي يستعيد المرء شبابه، عليه فقط أن يكرر حماقاته."
"نظرية ممتعة!" صاحت الدوقة. "يجب أن أضعها حيّز التنفيذ."
"نظرية خطيرة!" جاء التعليق من بين شفتي السير توماس المنقبضتين. تابع : " تخيل امراءة بعمر الدوقة ترتكب اخطاء شباب العشرينات ، ياله من عار ! "
وانطلقت ضحكة خفيفة حول المائدة.
كان هنري يتلاعب بالفكرة، يغيرها حتى لا تعرف ؛ يقذفها في الهواء ، يدعها تفلت منه ثم يعيد الإمساك بها؛ يكسوها بشيء من المنطق والعقلانية حتى تسحر الاخرين .
شعر أن عيني دوريـان غراي مسمّرتان عليه، وأن وعيه بأن بين مستمعيه من يسعى لسحره قد شحذ براعته، ومنح خياله ألوانًا أزهى.
كان متالقا ، يتلاعب باللكلمات و يجعل الاخرين يتقبلون منطقه حتى لو كان مغايراً لمنطقهم ، أفتنَ مستمعيه فأخرجهم من ذواتهم، وتبعوه وهو يعزف على مزماره، ضاحكين.
أما دوريـان، فلم يحوّل عينيه عنه لحظة، جلس كما لو كان مسحورًا، تتوالى الابتسامات على شفتيه، والدهشة تتعمق في عينيه الآخذتين في التظلم.
وفي النهاية، متجسدة في زيّ العصر، دخلت الواقعية الغرفة في هيئة خادم، ليبلغ الدوقة أن عربتها بانتظارها.
فرفعت يديها بتصنّع بائس.
"يا للضيق!" صاحت. "عليّ الذهاب. يجب أن أمرّ على زوجي في النادي لنذهب معًا إلى اجتماع سخيف ، حيث سيتولى رئاسة الجلسة. لا اعلم لما يجب ان ارافق زوجي في جميع اعماله ..."
، لابد أن أذهب الآن، عزيزتي أغاثا. وداعًا، يا لورد هنري، لقد كنت ممتعًا للغاية... ومُفسدًا فظيعًا للتعاطف والطيبة . حقًا لا أعرف ما الذي ينبغي أن أقوله عن آرائك. يجب أن تأتي لتناول العشاء معنا ذات مساء. ماذا عن الثلاثاء؟ هل أنت متفرغ يوم الثلاثاء؟"
"من أجلكِ، أتخلى عن أي أحد، يا دوقة،" قال اللورد هنري وهو ينحني.
"آه! هذا لطيف جدًا... وخاطئ تمامًا،" صاحت، "فلا تنسَ، يجب أن تأتي."
وغادرت الغرفة متألقة، تتبعها الليدي أغاثا والسيدات الأخريات.
وعندما جلس اللورد هنري مجددًا، اقترب السيد إرسكين، وجلس على كرسي بالقرب منه، ووضع يده على ذراعه.
"أنت تُبخر الناس بالكلام،" قال، "الم تفكر ان تكتب كتابا من قبل ؟"
"أحب القراءة أكثر من أن أحب الكتابة، يا سيد إرسكين. .
أجاب السيد إرسكين. "كنت أمتلك طموحات أدبية، لكنني هجرتها منذ زمن بعيد. والآن، يا صديقي العزيز، إن كنت تسمح لي بمناداتك كذلك، هل لي أن أسألك: هل كنت تعني حقًا كل ما قلته على المائدة أثناء الغداء؟ "
"لقد نسيت تمامًا ما قلت،" ابتسم اللورد هنري. "هل كان سيئًا إلى هذه الدرجة؟"
"سيئ للغاية. في الواقع، أراك خطيرًا جدًا. ، اذا وقعت دوقتنا في مشكلة لانها اخدت بنظريتك سنحملك المسؤلية ! ، لكنني أرغب حقًا في الحديث معك عن الحياة. يوما ما، حين تملّ من لندن، تعال إلى مدينتي ، وتفلسف كما فعلت اليوم "
"سيكون شرفًا لي. زيارة ترادلي امتياز حقيقي. فيها مضيف مثالي... مثلك ."
"وأنت ستكون الضيف المميز " قال العجوز بانحناءة مهذبة. "والآن، عليّ أن أودّع عمتك الموقّرة. يجب أن أكون في نادي . إنها ساعة القيلولة هناك."
نهض اللورد هنري واقفًا. "و أنا ذاهب إلى المتنزّه،" .
وأثناء خروجه من الباب، لمسه دوريـان غراي بخفة على ذراعه. "دعني آتي معك،" همس.
"ألن تذهب لزيارة بازل كما تفعل في العادة ؟ أجابه هنري.
"أفضل أن أذهب معك؛ أشعر أنه ينبغي لي أن أكون معك. أرجوك... دعني؛ وعدني بأن تواصل الحديث معي طوال الوقت؟ لا أحد يتحدث
كما تفعل أنت."
"آه، لقد تحدثت كثيرًا اليوم،" قال هنري مبتسمًا. "كل ما أريده الآن هو أن ارى الحياة. ويمكنك أن تأتي وتراها معي، إن أحببتَ ذلك."
تعليقات
إرسال تعليق