17
في اليوم التالي، لم يغادر دوريان المنزل، وقضى معظم الوقت في غرفته، مريضًا برعب جامح من الموت، ولا مباليًا بالحياة ذاتها.
بدأ شعور المطاردة والتعقّب والوقوع في الفخ يهيمن عليه.
كان يرتجف إذا ما تحركت الستائر في الريح. وكانت الأوراق الميتة التي اصطدمت بزجاج النوافذ تثير قلقه.
وحين يغلق عينيه، يرى مجددًا وجه البحّار يطلّ من وراء الزجاج المغطّى بالضباب، ويشعر وكأن الرعب نفسه يضع يده على قلبه.
لكن… ربما كانت مجرد خيالات ...... ، فلو كان هناك غريب يتجول حول المنزل، لكان الخدم أو الحراس قد رأوه.
ولو وُجدت آثار أقدام في أحواض الزهور، لأبلغ بها البستانيون.
نعم، لقد كانت مجرد أوهام.
أخو سيبيل فاين لم يعد ليقتله.
لقد أبحر في سفينته بعيدا…
كان بأمان منه، على الأقل.
فذلك الرجل لم يعرفه، ولم يكن بإمكانه أن يعرفه.
قناع الشباب هو من أنقذه.
ومع ذلك، إن كانت مجرد أوهام، فما أفظع أن يملك الضمير قدرة استدعاء مثل هذه الأشباح المخيفة، ويمنحها شكلًا، ويجعلها تمشي أمامك!
أي حياة ستكون حياته، إن كان جمس يتربص به ليلًا ونهارًا؟ يراقبه من الزوايا الصامتة، ؟
مع انزلاق هذا التفكير في عقله، شحب وجهه من الرعب، وشعر وكأن الهواء قد أصبح أكثر برودة فجأة.
آه! في أي ساعة جنون قَتل صديقه؟
ما أبشع مجرد تذكّر المشهد!
رآه كله مجددًا.
كل تفصيلة مشوّهة عادت إليه، بأسوأ مما كانت.
وعندما دخل لورد هنري في السادسة مساءً، وجده يبكي كمن سينكسر قلبه.
------------
لم يجرؤ على الخروج من المنزل إلا في اليوم الثالث من الحفل .
كان هناك شيء في هواء الصباح الشتوي، المليء برائحة الصنوبر، يُعيد له بعض البهجة وشغف الحياة ؛و أقنع نفسه أنه كان ضحية خيال مروع.
وبعد الإفطار، خرج يتمشى مع الدوقة.قضى ساعة في الحديقة معها ، ثم عبر الحديقة بالسيارة لينضم إلى فريق الصيد.
كان الصقيع الجافّ مفرودًا كملح على العشب.
والسماء بدت زرقاء اكثر من لزم .
وعلى حافة البحيرة المسطحة المغطاة بالقصب، امتدت طبقة رقيقة من الجليد.
عند زاوية غابة الصنوبر، لمح السير جيفري كلوسْتون، شقيق الدوقة، وهو يُفرغ بندقيته من خراطيشها المستهلكة.
قفز من العربة، وطلب من السائس أن يُعيد الفرس إلى المنزل، ثم شق طريقه نحو ضيفه وسط السرخس الذابل والنباتات الجافة.
سأله:
"هل كانت رحلة صيد ناجحة يا جيفري؟"
أجاب:
"ليست جيدة جدًا، يا دوريان. أعتقد أن معظم الطيور قد انتقلت إلى المناطق المفتوحة. وربما تتحسّن الأمور بعد الغداء حين نصل إلى أرض جديدة."
تابع دوريان السير بجانبه.
كان الهواء العطِر الحادّ، والأضواء البنية والحمراء التي تلمع بين الأشجار، وصيحات القناصة الخشنة، وأصوات البنادق المفاجئة، تُفتنه وتُغرقه بشعور بالحرية المبهجة.
كان غارقًا في لامبالاة السعادة، وفي علوّ خفّة الفرح.
ثم فجأة، ومن بين كومة من الأعشاب اليابسة، وعلى بعد حوالي عشرين ياردة أمامهم، انطلقت أرنبة ذات أطراف خلفية طويلة وأذنين سوداوين واقفتين، وقفزت نحو أدغال الألدر.
رفع السير جيفري بندقيته، لكن شيئًا في خفّة حركة الأرنب سحر دوريان بشكل غريب، فصرخ فورًا:
"لا تطلق النار يا جيفري. دعها تعيش."
ضحك صديقه وقال:
"يا له من هراء، يا دوريان!"
وحين قفزت الأرنبة إلى الأدغال، أطلق النار.
وسُمِعت صرختان —
صرخة أرنب يتألّم، وهي فظيعة.
وصرخة رجل يحتضر، وهي أفظع.
صرخ السير جيفري:
"يا إلهي! لقد أصبت أحد القناصة! يا له من أحمق ليقف أمام البنادق! أوقفوا إطلاق النار فورًا! هناك رجل مصاب!"
هرع كبير الحراس نحو الأدغال، يحمل عصًا في يده.
صرخ:
"أين هو، سيدي؟ أين الرجل؟"
وفي تلك اللحظة، توقف إطلاق النار على طول الخط.
أجاب السير جيفري، بغضب وهو يتجه نحو الأدغال:
"هنا. لماذا بحق السماء لا تُبقون رجالكم بعيدًا؟ لقد أفسدتم يومي بالكامل."
راقبهم دوريان وهم يشقّون طريقهم داخل أدغال الألدر، مزحين الأغصان المتمايلة بأجسادهم.
وبعد لحظات، خرجوا، يسحبون جثة نحو ضوء الشمس.
أدار دوريان وجهه، مذعورًا ؛بدا له وكأن المصيبة تتبعه أينما ذهب.
سمع السير جيفري يسأل إن كان الرجل قد مات فعلًا، وجاء جواب كبير الحراس بالإيجاب.
بدا الغابة فجأة حيّة بالوجوه ، دوي أقدام عديدة، وهمس أصوات منخفضة.
وبعد لحظات، شعر بيدٍ توضع على كتفه ، ارتعب، واستدار.
قال لورد هنري:
"دوريان، أعتقد أنه من الأفضل أن أخبرهم أن الصيد قد توقّف لليوم. سيكون من غير اللائق الاستمرار."
أجاب دوريان بمرارة:
"ليت الصيد توقّف إلى الأبد يا هنري. كل هذا بشع وقاس. هل الرجل…؟"
لم يستطع إنهاء الجملة.
قال لورد هنري:
"أخشى ذلك. لقد تلقى شحنة كاملة في صدره. لا بد أنه مات فورًا. تعال، فلنعد إلى المنزل."
سارا جنبًا إلى جنب باتجاه الطريق دون أن يتبادلا الكلام لما يقارب خمسين ياردة.
ثم نظر دوريان إلى لورد هنري، وتنهد بعمق وقال:
"إنه نذير شؤم، يا هنري. نذير شؤم شديد."
قال لورد هنري:
"نذير؟ آه… تقصد هذا الحادث، على ما يبدو. يا عزيزي، لا يمكن أن يكون…"
قال لورد هنري، بلا اكتراث:
"إنها غلطة الرجل نفسه. لماذا وقف أمام البنادق؟
ثم إن الأمر لا يعنينا.
بالطبع، الأمر محرج لجيفري،
فليس من اللائق أن ترش الخراطيش على رجال القنص.
يظن الناس أنك تطلق النار عشوائيًا،
وجيفري ليس كذلك؛ إنه يطلق بدقة.
لكن لا فائدة من مواصلة الحديث عن الأمر."
هزّ دوريان رأسه وقال:
"إنه نذير شؤم، يا هنري.
أشعر وكأن شيئًا رهيبًا سيحدث لأحدنا…
ربما لي أنا."
ثم مرّر يده على عينيه في إيماءة ألم.
ضحك الرجل الأكبر سنًا وقال:
"الشيء الرهيب الوحيد في العالم هو الملل، يا دوريان.
إنه الخطيئة الوحيدة التي لا تُغفر.
لكننا لسنا معرّضين له،
إلا إذا استمر أولئك بالثرثرة عن هذا الموضوع وقت العشاء.
سأطلب منهم أن يعتبروا الحديث عنه محظورًا.
أما النذر، فلا وجود لها.
القدر لا يُرسل مقدّمات.
انه أذكى من ذلك، أو أقسى."
وتابع:
"ثم، ماذا يمكن أن يحدث لك؟
أنت تملك كل شيء يمكن أن يشتهيه إنسان.
لا يوجد أحد لا يتمنى لو يتبادل الأماكن معك."
ردّ دوريان، بلهجة وهن:
"لا يوجد أحد لا أودّ أن أكون مكانه، يا هنري.
لا تضحك بتلك الطريقة.
أنا أتحدث بصدق.
ذلك الفلاح التعيس الذي مات لتوّه أفضل مني حالًا.
أنا لا أخاف الموت.
الذي يُرعبني هو قدوم الموت،
جناحاه الهائلان يحومان في الهواء من حولي.
يا إلهي! ألا ترى رجلاً يتحرّك خلف الأشجار هناك؟
يراقبني… ينتظرني؟"
نظر لورد هنري في الاتجاه الذي أشارت إليه يد دوريان المرتجفة وقال بابتسامة:
"نعم، أرى البستاني ينتظرك.
أظنه يريد أن يسألك عن الزهور التي تود أن توضع على الطاولة الليلة.
كم أنت متوتر بشكل سخيف، يا عزيزي!
يجب أن تراجع طبيبي حين نعود إلى المدينة."
زفر دوريان بارتياح حين رأى البستاني فعلاً، وعادت إليه أنفاسه المضطربة.
اقترب الخادم، رفع قبعته باحترام، ونظر مترددًا إلى اللورد هنري، ثم سلّم رسالة إلى سيده.
همس:
"صاحبة السمو طلبت مني انتظار الرد."
أخذ دوريان الرسالة ووضعها في جيبه.
قال ببرود:
"قل لها إنني قادم."
استدار الرجل، وسار بسرعة نحو المنزل.
ضحك لورد هنري وقال:
"ما أكثر ولع النساء بفعل الأشياء الخطرة! إنها إحدى الصفات التي أعشقها فيهن. فالمرأة قد تغازل أي شخص في العالم طالما ليس هناك من يراقبها."
ردّ دوريان:
"وما أكثر ولعك بقول الأشياء الخطرة، يا هنري! في هذه الحالة أنت مخطئ تمامًا. أنا أحب الدوقة كثيرًا، لكنني لا أعشقها."
قال هنري مازحًا:
"والدوقة تعشقك كثيرًا، لكنها لا تحبك بنفس القدر — إذن، أنتما متوافقان تمامًا."
قال دوريان محتجًا:
"أنت تنشر الفضائح، يا هنري، والفضائح بلا أساس."
ردّ هنري، وهو يشعل سيجارة:
"كل فضيحة تقوم على يقين غير أخلاقي."
قال دوريان:
"أنت مستعد للتضحية بأي أحد مقابل جملة بليغة."
أجابه هنري:
"العالم يذهب إلى المذبح طوعًا."
صرخ دوريان، بنبرة يملؤها الألم:
"ليتني أستطيع أن أحب…
لكنني فقدت الشغف، ونسيت الرغبة.
أنا غارق في ذاتي.
شخصيتي باتت عبئًا عليّ.
أريد أن أهرب، أن أرحل، أن أنسى.
كان من الغباء أن آتي إلى هنا أصلًا.
أعتقد أنني سأرسل برقية إلى هارفي ليجهّز اليخت.
على اليخت، يكون المرء آمنًا."
سأله هنري، بجدية نادرة:
"آمن من ماذا، يا دوريان؟
أنت تُعاني من أمر ما.
لماذا لا تخبرني؟
أنت تعرف أنني سأساعدك."
قال دوريان، بحزن:
"لا أستطيع أن أخبرك، يا هنري.
وأظن أنه مجرد وهم…
لكن هذا الحادث المؤسف أربكني،
ولي شعور سيء جدًا بأن شيئًا كهذا قد يحدث لي."
ردّ لورد هنري:
"يا لها من ترهات!"
قال دوريان:
"أتمنى أن تكون كذلك…
لكنني لا أستطيع أن أطرد هذا الإحساس.
آه! ها هي الدوقة، تبدو كآرتميس في فستان مفصّل بعناية.
لقد عدنا، كما ترين ، يا دوقة."
قالت الدوقة:
"لقد سمعت كل شيء، يا سيد غراي.
جيفري المسكين منزعج جدًا.
ويبدو أنك طلبت منه ألا يطلق النار على الأرنب.
كم هو غريب!"
قال دوريان:
"نعم، كان غريبًا. لا أعرف لماذا قلت ذلك.
ربما مجرد نزوة.
لقد بدا لي كأجمل شيء حي صغير.
لكن يؤسفني أن أحدهم أخبرك عن الرجل.
الموضوع بغيض."
قاطعهم لورد هنري:
"الموضوع مزعج بالفعل،
ولا يحمل أي قيمة نفسية.
لو أن جيفري فعلها عمدًا،
لكان الأمر مثيرًا جدًا!
أتمنى أن أعرف شخصًا ارتكب جريمة قتل حقيقية."
صرخت الدوقة:
"كم أنت مروّع يا هنري !
أليس كذلك، يا سيد غراي؟
هنري !، السيد غراي مريض مجددًا.
سيفقد وعيه !."
تماسك دوريان، وابتسم بتكلّف:
"لا شيء يا دوقة.
أعصابي في حالة سيئة.
هذا كل شيء.
أظن أنني مشيت كثيرًا هذا الصباح.
لم أسمع ما قاله هنري… هل كان سيئًا؟
أخبريني به لاحقًا.
أعتقد أنني يجب أن أرتاح قليلًا.
هل تعذرينني؟"
وصلوا إلى مدرج الدرجات الكبير المؤدي من بيت الزجاج إلى الشرفة، وأُغلِق الباب الزجاجي خلف دوريان،
نظر لورد هنري إلى الدوقة بعينيه المثقلتين بالنعاس ؛ وسألها:
"هل أنتِ واقعة في حبّه حقا ؟"
لم تجب لفترة،
بل ظلت تنظر إلى الأفق.
ثم قالت أخيرًا:
"ليتني أعلم."
هزّ رأسه وقال:
"المعرفة ستكون قاتلة."
قالت الدوقة:
"إن الغموض هو ما يسحر المرء. الضباب يجعل الأشياء ساحرة."
ردّ هنري:
"لكن قد يضلّ المرء طريقه فيه."
ردت : " لاباي ، فكل الطرق تنتهي في النقطة نفسها ."
سألها :
"وما هي؟"
قال:
"خيبة الأمل."
اضافت متنهّدة:
"كانت تلك بدايتي في الحياة."
قال:
"وجاءتك متوّجة."
قالت:
"سئمت من حياة النبلاء ."
قال:
"لكنها تليق بك."
قالت:
"فقط أمام الناس."
قال:
"مونماوث لديه آذان."
ردّت:
"الشيخوخة ثقيلة السمع."
سألها:
"هل لم يشعر بالغيرة قط؟"
قالت:
"ليته شعر."
نظر حوله كمن يبحث عن شيء.
سألته:
"عمّ تبحث؟"
أجاب:
"عن زر سيفك. لقد أسقطتي دفاعك ."
ضحكت وقالت:
"ما زال لدي قناعي."
قال:
"إنه يجعل عينيكِ أكثر جمالًا."
ضحكت مرة أخرى، وكانت أسنانها تلمع مثل بذور بيضاء.
--------------
وفي الطابق العلوي، كان دوريان غراي مستلقيًا على الأريكة، وكيانُه كله يرتجف من الرعب.
لقد أصبحت الحياة فجأة عبئًا بشعًا لا يُطاق.
موت الرجل التعيس، ذلك القناص الذي قُتل وسط الأدغال كحيوان بري، بدا له وكأنه نبوءة بموته هو أيضًا.
كان على وشك الإغماء من جملة قالها لورد هنري مزاحًا، لكنها لامست جرحًا داخليًا.
في الخامسة مساءً، رن الجرس، وطلب من خادمه أن يُجهّز أغراضه للعودة ليلًا إلى المدينة،
ويُحضِر العربة إلى الباب في الثامنة والنصف.
كان مصممًا على ألا يقضي ليلة أخرى في قصر سيلبي — المكان المشؤوم، الذي يسير فيه الموت تحت أشعة الشمس، والذي صار عشب غابته مرقّطًا بالدماء.
بينما كان دوريان يكتب رسالة للورد هنري يُخبره فيها أنه سيغادر إلى المدينة لاستشارة طبيبه ويطلب منه أن يهتم بالضيوف خلال غيابه، طرق أحدهم الباب.
دخل خادمه ليخبره أن كبير الحراس يريد مقابلته.
بعد تردد، وافق دوريان، ثم أخرج دفتر الشيكات واستعد لتعويض أهل الرجل الذي قُتل في حادث الصيد.
فسأله:
"هل كان الرجل المتوفي متزوجًا؟ هل لديه عائلة تعتمد عليه؟"
لأنه أراد أن يرسل لهم مبلغًا ماليًا إذا كان كذلك.
لكن الحارس قال:
"في الحقيقة، لا نعرف من يكون. لهذا جئت إليك."
دوريان، وقد شعر بالملل، قال:
"ماذا تعني؟ أليس أحد رجالكم؟"
الحارس:
"لا يا سيدي. لم نره من قبل. يبدو كبحّار."
وفجأة، سقط القلم من يد دوريان وتوقّف قلبه عن النبض للحظة.
صرخ متوترًا:
"بحّار؟ قلت إنه بحّار؟"
الحارس:
"نعم سيدي، عليه وشوم على ذراعيه، ويبدو كذلك."
دوريان اقترب وسأله، والذعر في عينيه:
"هل وُجد عليه شيء؟ أي شيء يُخبرنا باسمه؟"
الحارس:
"كان معه بعض المال، ومسدس صغير، لكن لا توجد أوراق أو اسم. يبدو كرجل محترم من العامة… لكنه خشن، بحّار على الأرجح."
عندها، نهض دوريان من مكانه — وهناك أمل مرعب بدأ يخفق في قلبه…
قبض على ذلك الامل بجنون ، وصرخ:
"أين الجثة؟ بسرعة! يجب أن أراها حالًا."
ردّ كبير الحراس:
"في إسطبلٍ مهجور في مزرعة المنزل، سيدي. الناس لا يحبّون وجود الموتى في بيوتهم. يقولون إن الجثة تجلب سوء الطالع."
قال دوريان وقد ارتجف صوته:
"المزرعة؟ اذهب حالًا والتقِ بي هناك. واطلب من أحد السُّعاة أن يُحضر فرسي. لا، لا داعي. سأذهب بنفسي. هذا أسرع."
في أقل من ربع ساعة، كان دوريان غراي يُسرج الفرس بأقصى ما لديه من سرعة.
انحرفت الفرس فجأة عند عمود بوابة ، وكادت أن تطرحه أرضًا ، لكنه ضربها بالسوط، فانطلقت تشقّ الهواء كسهم، تتطاير الحجارة من تحت حوافرها.
وصل أخيرًا إلى مزرعة المنزل ؛ في ساحته ، كان رجلان يروحان ويجيئان بملل.
قفز من السرج، ورمى لهما باللجام، ثم توجّه إلى أبعد الإسطبلات حيث تومض شمعة ضعيفة.
شعر بشيء داخله يقول إن الجثة هناك. وضع يده على المقبض، وتردّد للحظة، كأنه يقف على حافة اكتشاف إما أن ينقذه… أو يحطّمه.ثم دفع الباب ودخل.
في الزاوية البعيدة، فوق كومة من الخيش، كانت ترقد جثة رجل يرتدي قميصًا خشنًا وسروالًا أزرق.
منديل مرقّط وُضِع على وجهه.
و كانت شمعة رديئة، تضيء المكان .
ارتجف دوريان غراي.شعر أن يده لا تملك القوة لتزيح المنديل.
فنادى أحد الخدم:
"أزِح ذلك الشيء عن وجهه. أريد أن أراه."
كان يتشبث بجانب الباب كمن يطلب النجاة من داخله ، فلما فعل الخادم ذلك، تقدم دوريان خطوة واحدة ، وانفجرت من بين شفتيه صرخة فرحة…
كان الرجل الذي قُتل في الأدغال هو جيمس فاين !
وقف دوريان هناك لعدة دقائق يتأمل الجثة.
وحين عاد إلى المنزل، كانت عينه تدمع — لأنه علم أنه بأمان.
تعليقات
إرسال تعليق