اجنحة من ضوء النجوم ٤
ساد سكون غريب على أرض الربيع. لا صوت للعصافير، ولا نسمة تحرك الأعشاب الطويلة، ولا ضحكة تتردد بين الأشجار. لم ترَ كلاريون أرض الجنيات بهذا الشكل من قبل… بدا المكان شبه مهجور.
كانت الظلمة تزحف ببطء، تتسلل بين أزهار الكرز وتنسكب في المروج.
من أعلى، لمحت كلاريون انعكاس وهجها على سطح بركة. بدت البركة ساكنة ، بلا موجات أو حركات تثيره… فلم يعد أحد من أصحاب المواهب المائية يمر به.
وعلى الشاطئ، ظهرت فسيفساء من قطرات الندى، غير مكتملة البناء ، مهجورة كما يبدو بعد أن أطلق الكشافة الإنذار.
وبينما كلاريون تقترب من الحدود، بدأ صوت الماء المتدفق يصل إلى مسامعها.
. بخفة جناحيها، هبطت كلاريون، ولامست الأرض بنعومة حذائها بين الأعشاب. كانت أشجار العليق والزهور العطرية تنمو هناك بعشوائية، وعبير زهرة الربيع يملأ المكان.
شعرت بأنها مكشوفة، بلا غطاء من الغابة يحميها، وبريق جناحيها يسطع بلا عباءة السفر التي كانت تخفيه. لم تقترب من الحدود هكذا من قبل.
"لم أشعر بهذا القدر من الوحدة من قبل…"
امتدت جذور من شجرة غبار الجنيات عبر الأرض، وعبرت عرض النهر لتشكل جسراً.
كانت مثل هذه الجسور تربط كل فصل بالآخر في دائرة لا تنقطع: من الشتاء إلى الربيع، ومن الربيع إلى الصيف، ومن الصيف إلى الخريف، ثم يعود الخريف إلى الشتاء. عندما وصلت كلاريون أول مرة، كانت هذه الجسور تحيرها. ما حاجة الجنيات إليها، وهم بالكاد يسيرون؟ لكنها الآن تتأمل السحر القوي الذي يمر خلالها بإعجاب.
في أرض الجنيات، تتواجد الفصول الأربعة في آنٍ واحد، وذلك بفضل جذور شجرة غبار الجنيات التي تربطها جميعاً في مكانٍ واحد. ووسط كل هذه الأفكار، تسلل خاطر إلى ذهن كلاريون… خاطر تعلم تماماً أنه ليس من الحكمة التفكير فيه: إن كان الفصل البارد والفصول الدافئة يجب أن يظلوا منفصلين… فلماذا وُجد هذا الجسر إذاً؟
حركة خافتة في الأشجار قطعت شرودها. جعلت عمودها الفقري يرتجف بقلق غامض.
جاء الصوت من غابة الشتاء، وعندما ركّزت، أقسمت أنها رأت ومضة ضوء تتلاشى خلف إحدى الأشجار… ثقوب جذوعها المعتمة بدت كعيون لا ترمش.
جمعت شجاعتها، وخطت كلاريون فوق الجسر. وعندما وصلت الى منتصفه، بدأت طبقة الطحالب الخصبة تختفي، لتحل محلها طبقة كثيفة من الثلج.
توقفت كلاريون على حافة الصقيع تمامًا، حيث كاد أن يلامس ربيعها.
بدت الضفة الأخرى وكأنها لوحة من بيضاء من شدة الثلج . كان الأمر أكثر سحرًا مما تخيلت، لكنها لم تسمح لنفسها بالاسترخاء… ولا أن تنسى سبب قدومها.
كانت في الشتاء عتمة مخيفة ، لكن أجنحتها كانت تبث ضوءًا كافيًا للرؤية، وغبار الجنيات يتساقط عنها كشرارات صغيرة تتوهج في تلك الظلمة.
بدا الثلج على الأرض نقيًا، لم يُمس—لا آثار أقدام، لا حفر، لا شيء.
وصف الكشّاف الوحش بأنه يشبه الثعلب، ويشعّ بهالة شريرة، ومع ذلك… أين يمكن أن يختفي؟
وفجأة، شعرت أنها كانت ساذجة. ربما تخيلت الصوت تمامًا. ما الذي كانت تفكر فيه حين خرجت للبحث عن وحش؟ بدا الأمر حينها منطقيًا جدًا، معقولًا. أما الآن، فترى كم كان تصرفها عبثيًا. الضغط والقلق من اقتراب مراسم التتويج قد غيّب حكمتها. وكان من المنطقي أن تعود الآن فورًا.
لكن إلى أين؟ لم تحتمل فكرة العودة إلى غرفتها الفارغة، أو أسوأ… إلى قاعة المجلس التي استُبعدت منها.
ثم، ها هي، قريبة جدًا من مكان لطالما ناداها سنواتٍ طويلة. بدا الأمر مغريًا بشكل غريب، أن تمد يدها وتلتقط ندفة ثلج. حتى عند هذا القرب من الحدود، لا يزال نسيم الربيع يحمل برودة لطيفة.
إلى أي مدى يجب أن تقترب لتشعر بلسعة البرد الحقيقي؟
ببطء، رفعت يدها إلى الحافة، لترتجف فوق التيارات الباردة. وأخيرًا، شعرت بلمسة الشتاء على بشرتها. شدّت عزيمتها، وتركت أصابعها تنزلق عبر الخط الفاصل.
اجتاحها بردٌ عميق، مفاجئ وحاد لدرجة أنه جعلها ترتعش. سحبت يدها بسرعة، وبدأت تنفخ فيها لتدفئها. لم تعد تساورها شكوك حول صعوبة عبور الحدود. لكن تلك اللسعة الباردة جعلتها تشعر بنشوة غريبة… لم تختبر شيئًا كهذا من قبل.
ثم، ومضة جديدة اجتذبت انتباهها. هذه المرة، رأت بوضوح: وهج فضي خافت يشع من قلب الظلام. لا… لم يكن وهجًا، بل هالة. كانت تحيط بشيء خرج من عتمة الليل نفسه. تراجعت كلاريون بخفقان جناحيها عدة خطوات. هذا هو… الوحش.
"ابقَ بعيدًا!"
لكن الكلمات بالكاد خرجت من فمها، حتى تبلورت الظلال أمامها. وكلاريون، بكل الإحراج، حاولت عبثًا أن تبتلع شعورها المتصاعد بالخجل. هذا لم يكن وحشًا.
كان يبدو كأنها مجسّم من ندف الثلج، ببشرته الفاتحة وشعره الأبيض كالعظم، يتساقط على كتفيه، بينما أزيح جزء منه عن وجهه ليكشف أطراف أذنيه المدببة. أجنحته تبرق كالثلج ، وفي هذا المشهد القاسي من الشتاء، بدا وكأنه كائن سماوي... أشبه بالخيال.
أنه جني الشتاء !
لم تكن تتخيل أن جنيات الشتاء قد تكون بهذا التواضع. لم يكن سوى فتى، لا يكبرها سنًا. ومع ذلك، فالظاهر لا يُعوّل عليه. لا يمكنها أن تستهين به.
رتّب ملامحه بهدوء، لكن متأخرًا. رفع يديه في حركة تهدئة وقال: "أعتذر، لم أقصد أن أُفزعك."
مجاملة غير متوقعة، فاجأتها أكثر من ظهوره المفاجئ.
قالت بتحفظ : "لم تفزعني."
"أوه." أجاب بارتباك واضح، "هذا مطمئن."
اقترب جنيّ الشتاء من الحدود بخطوات محسوبة، وكأنه يترك لها فرصة للتراجع. لكنها أجبرت نفسها على التماسك. ومع كل خطوة، كان الثلج يئن تحت حذائه، وتتصاعد في صدرها مشاعر الترقب. حتى توقف عند حافة الحدود تمامًا.
وهناك، كان وجهه جليًا؛ وجنتان بارزتان وفك مربّع. لم يكن في نظراته أي دفء. عيونه الحذرة كانت تثبت النظر إليها، كأنها حيوان جريح قد ينقض في أي لحظة. وشكوك كلاريون، كما يبدو، لم تكن من طرفٍ واحد.
"من أنت؟" سألت كلاريون بصوتٍ كما درّبته مرارًا: صارم، بارد، لا يحمل مشاعر. صوت الملكة، وإن لم يكن صوتها الحقيقي.
"لا أقصد شرًا." قال، فقاومت كلاريون رغبتها في الضحك. كما لو أن الكلمات وحدها كانت كافية لتطمئنها. "اسمي ميلوري."
"وما غرضك من الوجود هنا؟" ترددت، ثم أضافت بنبرة شبه ساخرة: "ميلوري؟"
لم يظهر عليه الانزعاج من شكّها الواضح. ملامحه المتزنة ووقفته المستقيمة كانت تجسيدًا للثقة. "جئت أطلب لقاءً مع ملكة جوف الجنيات ." وبعد لحظة، أضاف، "ويبدو أنني حصلت عليه."
تهاوى من صوتها ذلك الصقيع الملكي : "هل تعرف من أكون؟" .
"بالطبع أعرف." بدا عليه الذهول، لكن عينيه لمع فيهما بريق غريب… لم يكن مزعجًا، ولكنه لم يكن واضحًا كذلك.
لكنه عرفها.
وعلى الرغم من معرفته، لم يتراجع، ولم يخشَ، ولم يصب بالذعر. يمكنها أن تعدّ على أصابع يدها عدد الجنيات الذين يجرؤون على النظر في عينيها، أو على الحديث معها دون إذن. ربما لم يكن هناك حب أو احترام لملكية الفصول الدافئة في غابة الشتاء، لكنها كانت تفضل الوقاحة على التبجيل.
"هل لي أن أعرف كيف عرفت؟" سألت، وهي تحاول كتمان قلقها.
ازداد ذلك اللمعان في عينيه. لو لم تكن حذرة، لقالت إنه يبدو مسرورًا.
"وقارك الملكي."
حدّقت فيه كلاريون بحدة. "اعذرني؟"
ارتسمت على وجهه ابتسامة تدلّ على أنه فهم مغزى كلامها، ثم قال بجدية أكبر: "وأجنحتك… إنها فريدة براقة. رأيتكِ تقتربين من مسافة بعيدة."
طوت كلاريون جناحيها بخجل على ظهرها، وتمنت لو أنها أحضرت عباءة السفر.
"أعتذر إن خيّبت ظنك، لكنني لست ملكة جوف الجنيات فعليًا. الملكة التي تبحث عنها تُدعى إلفينا. أنا مجرد ملكة تحت التدريب."
ردّ بهدوء، وقد اختفى كل أثر للفرح من ملامحه: "أرى ذلك."
غمرها إحساس غريب بالحنين له وهو ما زال أمامها… فما كان ينبغي للحزن أن يسكن وجهًا مثله.
قال : "وكيف أناديكِ إذًا؟"
كانت تعلم أنه من المفترض أن تتمسك بالبروتوكول. لا أحد يناديها باسمها الأول، سوى إلفينا وبترا. كادت تقول "جلالتك"، لكن ما خرج منها هو "كلاريون."
كررت بصوته : "كلاريون."
يا له من أمرٍ غريب أن تسمع اسمها بلكنة عذبة، بصوت بارد وناعم كزجاج أملس. شعرت بقشعريرة لا علاقة لها بدرجة الحرارة.
مرّرت يديها على تنورتها محاولة إخفاء اضطرابها. "هل أبلغ الملكة إلفينا رسالتك؟"
"أرجو ذلك. قولي لها إن وصي غابة الشتاء يرغب في لقائها. هناك أمر عاجل يمسّ مملكتينا معًا."
هل كان يشير إلى الوحش؟ بدأت الأفكار تتداخل في رأسها. كانت تأمل أن تجلب لإلفينا شيئًا مفيدًا… وهل هناك ما هو أثمن من رسالة تأتي من وصي غابة الشتاء نفسه؟
"لن توافق أبدًا." لم تكن تكذب؛ فلم تكن إلفينا مشجعةً لاهتمامها بغابة الشتاء من الأساس. "لكن ربما أستطيع مقابلة الوصي."
انكمش وجهه بشكل غريب للحظة، ثم عاد كما كان. "يمكن ترتيب ذلك، إذا رغبتِ."
كافحت كلاريون لتكتم حماستها. كان عليها أن تخطط لهروب آخر، وسيكون ذلك أكثر صعوبة بمجرد استقرار الأمور. لكن من أجل جوف الجنيات ، ومن أجل فرصة لإثبات ذاتها، ستتمكن من إنجازه.
قالت : "أرغب بذلك. فقط أخبرني متى وأين."
رد : "هل يصلح الآن وهنا؟"
كلاريون : "الآن و..."
كادت تسقط في النهر حين استوعبت الأمر. ميلوري هو وصي غابة الشتاء. الوصي نفسه كان هنا، يتحدث معها وكأن ذلك شيءٌ طبيعي تمامًا. ولم تستطع منع صوتها من التحول إلى لهجة تتخللها الاتهامات: "كان يمكنك أن تبدأ بذلك! ألا يُدرّسون قواعد الحديث في الشتاء؟ وما الذي يفعله وصي الغابة عند الحدود؟"
قال : "ربما نفس ما تفعله ملكة جوف الجنيات..." توقف ليراجع نفسه، ثم صحح، "أو الملكة المتدربة، إن صح القول. أنتِ تبحثين عن شيء."
لم تجد ما يُعارض قوله. عقدت ذراعيها ونظرت إليه بتحدٍّ: "ربما."
ساد بينهما صمتٌ مشحون.
قال وهو يميل برأسه نحوها : "يسعدني أن نعقد اجتماعنا من هذه المسافة،" ، وتسلّلت نبرة ساخرة إلى ملامحه وهو يتأمل المسافة التي أبقتها منذ ظهورها من الغابة وتابع : "لكن قد يكون الأمر أسهل إن اقتربتِ."
اشتد تساقط الثلج، وعندما عصفت الرياح، أخذت تدور حوله في دوامات تشتّت الرؤية، حتى أصبح شبه مختفٍ خلف ضباب البرد.
باتت الحدود بينهما وكأنها جدار لا يُخترق. ومع ذلك، لو أراد إيذاءها، أكثر من الأثر الذي تركه بالفعل على كرامتها، لكان فعلها منذ زمن.
بتردد، قطعت كلاريون المسافة من جديد، وتوقفت عند حافة الربيع. كان صوت الصقيع تحت قدميها كأن الأرض تئن.
أزعجها أنها اضطرت لإمالة رأسها لترفع نظرها إليه. عيناه رماديتان مثل سماء الشتاء، مثبتتان في عينيها، وكان خلفهما تعبٌ رهيب، لا تخطئه العين. هذا الإدراك بعثر في نفسها شيئًا… ما الذي يمكن أن يثقل كاهله بهذا الشكل؟
وبالقرب منه، التقطت تفاصيله من جديد؛ خصلات شعره تلتفّ حول أطراف أذنيه المدببة. لكن ما استرعى انتباهها حقًا كانت ذراعاه، مفتولتان بالعضلات وعاريتان تمامًا تحت رداءه المصنوع من صوف زهرة الخروف. كيف لم يكن يشعر بالبرد؟ فقد كانت مجرد لمسة للحافة كافية لأن تغرس البرد في عظامها. هل سيشعر بالدفء إذا اقترب منها؟ هل سيكون ملمسه كمن تلمس شعلة؟ انتبهت كلاريون لشرودها، فتنحنحت بحزم، محاولة إسكات ذاك الفكر.
سالت : "إذن ما الأمر؟" .
اجاب و زاوية الشمس الآفلة تخلق ظلًا يغمر نصف وجهه. : "أعتقد أن وحشًا سيعبر قريبًا إلى مملكتكم."
تصريح مظلم، جاء متأخرًا. ومع ذلك، إن كان يحمل أي معلومة عن هذا الوحش، فإن هذه المغامرة لم تكن عبثًا. لن تعود إلى القصر خالية اليدين.
قالت : "أخشى أنه قد عبر بالفعل. رصده الكشافة فجر هذا اليوم."
"أنا آسف." قالها بصوت خافت، وكان على وجهه شيء يشبه الذنب. "كنت آمل أن أتمكن من تحذيرك قبل حلول الربيع."
تحذيري؟ تجهم وجه كلاريون. "هل رأيته؟"
قال : "وأعتذر لأنني لم أوقفه،" ثم تابع و كأن الكلمات تتسابق للخروج من فمه. ولم تخطئ الإحساس الذي اختنق في نبرته. "لهذا جئت لأطلب مساعدتك."
"مساعدتي؟" لم تتمكن من إخفاء دهشتها. "أخبرني أولًا… ما هو هذا الوحش؟"
ومضة مفاجئة سطعت في عينيه. لبرهة، لم يقل شيئًا، وكأن السؤال لم يصل إليه.
"ألا تعرفين؟"
بدت كلاريون مذهولة كما بدا هو. "وكيف لي أن أعرف؟"
قال بنبرة تحمل شيء من المرارة : "يبدو أن من سبقك لم يكن واضحًا معك،"
كلاريون : "عذرًا؟"
تراجعت خطوة، وقد أخذها الغضب. كيف يجرؤ على إطلاق هذه الاتهامات؟ وإن كان يعرف ماهية هذا الوحش، وكان من مملكته… فليس له الحق في المزايدة.
قالت : "ربما يجب عليك أن تقيّدوا وحوشكم قبل أن تتركوها تعبر إلى فصولنا الدافئة!"
ظهر التأثر في ملامحه، لكنه لم يدافع عن نفسه. مما خفف من حدّة غضبها.
مدّ يده، وكأنه على وشك عبور الحدود ليوقفها قبل أن ترحل. لكنه تراجع، وقبض على كفه إلى جانبه.
"اسمعيني، يا كلاريون. يمكنني أن أشرح، لكن..."
قالت : "أنا أصغي."
رد : "لكن البقاء هنا لم يعد آمنًا لفترة أطول. الوحش لا ينشط إلا في الظلام."
بدأت كلاريون تشعر بالضيق… إنها لا تتلقى الأجوبة التي تسعى إليها. لكنه، على الأقل، بدا عليه الحرج.
قالت : "يا لها من مصادفة ملائمة!"
رد ميلوري : "أستطيع أن أكون هنا عند أول خيوط الصباح، إن شئتِ."
كانت ترغب بذلك، فقط لإشباع فضولها. لكنها قالت : "لا أستطيع."
انحسرت الجدية عن ملامحه، وحلّ مكانها ارتباكٌ واضح. : "ولمَ لا؟"
"لا أعلم ما هي واجباتك كوصيّ على غابة الشتاء،" قالتها بشيء من التوتر ثم تابعت : "لكنني أملك مسؤوليات. لا يمكنني التخلي عنها لأتجول حيث يحلو لي… خصوصًا ليس على حدود الشتاء."
"أفهم." قالها وهو يمرر يده بين خصلات شعره، وقد بدا عليه الارتباك . تابع : "الملكة لا تعلم أنك هنا، أليس كذلك؟"
"لا. لقد هربت." قالتها كلاريون . بدا عليها شيء من الحرج وهي تقرّ بالأمر. وربما بات ينظر إليها نظرة مختلفة الان .
"سواء أكان الأمر خطرًا أم لا… فإن الليل هو الوقت الوحيد الذي أملكه لنفسي."
"حسنًا إذًا،" قالها ببرود غير متأثر، تابع : "سأراكِ عند الغروب غدًا."
ثم استدار بخفة.
كلاريون : "انتظر!"
انفجر بداخلها شعور بالاستياء والذعر. ماذا لو لم تستطع القدوم غدًا؟ ماذا لو احتاجت وقتًا لتفكر فيما تورّطت فيه؟
"أنا... أنا لم أوافق على ذلك!"
توقف ميلوري، وكأنه يُعيد التفكير.
"إن كنتِ مهتمة بحلّ المشكلة بدلًا من الهروب منها، فأنتِ تعرفين أين تجديني. سأكون هنا، عند الغسق، كل ليلة لمدة أسبوع."
تأمل وجهها بتركيز، وبدا أن نظرته تلك تزرع حرارة في عنقها. ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة… هذه النبرة تلائمها أكثر من أي ثقل ملكي.
"تصبحين على خير، كلاريون."
وانطلق طائرًا.
لم تستطع كلاريون سوى التحديق فيه وهو يختفي داخل غابة الشتاء، تراقب اللحظة التي لامس فيها ضوء القمر أجنحته، وانعكست ظلاله الرقيقة على الثلج.
رفعت يديها، ثم مررتا على وجهها بيأس.
لقد جاءت طلبًا لأجوبة… لكنها ستغادر محمّلًتاً بأسئلة أكثر مما كانت تتوقع.
تعليقات
إرسال تعليق